134

Hayat Sharq

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

Genre-genre

قال مؤرخ شرقي: نحن الشرقيين يصح في حق بعضنا قول الشاعر:

غذيت بدرها ونشأت معها

فمن أنباك أن أباك ذيب؟

وما أشبه بعض العرب في ثورتهم على آل عثمان بالزبير بن العوام في ثورته على عبد الملك بن مروان فعطل الفتح الإسلامي وأورث الدولة جراحا وقروحا؛ فباء بسخط من الناس وغضب من الله، وكان جزاؤه أن سجل التاريخ اسمه بأحرف من عار وفضيحة.

كان زعيم عربي يقول في منشوراته: «لا نترك كياننا الديني والقومي ألعوبة في أيدي الاتحاديين وقد يسر الله للبلاد نهضتها وأخذت استقلالها واستقلت فعلا وانفصلت عن البلاد التي لم تزل تئن تحت سلطة المتغلبين من الاتحاديين انفصالا تاما بكل معاني الاستقلال لا تشوبه شائبة مداخلة أجنبية ولا تحكم خارجي، جاعلة غايتها ومبادئها نصرة دين الإسلام والسعي لإعلاء شأن المسلمين.»

ولكن نتيجة هذا المنشور وقوع بلاد الإسلام في أيدي الاستعمار الأجنبي فتربع جورو في دمشق وهربرت صموئيل في أورشليم، وغيرهما في العراق وشرقي الأردن، في حين استقلت أرمنيا وعشرات الأمم الأوروبية. كان بعض الناس مخدوعا في النبيل «ش» وأعماله ويظن أنه مخلص في ثورته وأنه حقيقة يغار على الإسلام والمسلمين، وكان بعضهم يظن أنه ضعيف العقل والتدبير وأن من حوله يطيعونه خوفا واحتراما، ولكن كان رأي الكثيرين أنه لم «يثر» ولم «ينهض» ولم «ينقذ» إلا حبا بالمال ولأمور أخرى لا علاقة لها بالدين والوطن، فقد جاء في عدد 391 من جريدة «ط» التي يكتبها بنفسه نص خطاب وجهه «ش» إلى نائب حكومة «ك» بمصر، صرح فيه بأنه لم يقم بالفتنة إلا إرضاء لحكومة «ك» وتنفيذا لخطتها الحربية، «فإن كان ولا بد من التعديل، فلا لي سوى الاعتزال والانسحاب، ولا أشتبه في مجد دولتكم، وأنها لا ترتاب في أني وأولادي أصدقاؤها الذين لا تغيرهم الطوارئ والأهواء، ثم تبينوا البلاد التي تستحسن إقامتنا فيها بالسفر إليها في أول فرصة، وإن رأت ذلك ولكن مشاكل الحرب الحاضرة تقضي بتأجيله إلى ختامها فحقوق الوفاء والجميل تفرض علينا الثبات.»

فقيام النبيل «ش» وإقامته في مكة لم يكونا حرصا على حمى الدين كما زعم في منشوراته للمسلمين، بل كان مقابلة لجميل الجنيهات التي قدمت إليه كما قال هو نفسه في فقرة أخرى من كتابه السابق:

وإلا باقي المواد فإنا نعجز عن أداء شكر الوفاء بها شكرا يملأ الخافقين خصوصا أمر الإعانات.

وليس للحرمين أو غير الحرمين حرمة في نظر بعض حكام مكة من العرب، فقد سمعنا وقرأنا ألوف المرات ما ارتكبه هؤلاء في الحرمين وما سفكوه من دماء واقترفوه من آثام. راجع ابن خلدون ج4 ص18، وراجع كل صفحة تقريبا من تاريخ الجبرتي.

فالقول بأن أي رجل منهم كان مخدوعا أو أنه كان في نوبة عصبية أو أنه كان نائما يحلم ثم أفاق؛ كل هذه أعذار باطلة لا يبديها إلا جاهل بالحقائق لا يحق له أن يتكلم أو شريك في الجريمة.

Halaman tidak diketahui