وبجانب الباب كان ثمة حبل يتدلى من الجرس تحت القبة، وإلى جواره لافتة تحول لونها إلى البني مكتوب عليها: «غرامة 100 دولار عقوبة إساءة الاستخدام.» وكانت زوجات الفلاحين تظهرن من الألواح الزجاجية لدورات مياه السيدات، جالسات متلفعات بأوشحتهن ومنتعلات أحذية الكلوش المطاطية في انتظار أن يأتي أزواجهن لاصطحابهن. نادرا ما يكون بالمكتبة أحد سوى أمينة المكتبة بيلا فيبين، وهي امرأة صماء كالحجر، وتعاني من عرج في إحدى رجليها جراء إصابتها بشلل الأطفال، وقد سمح لها مجلس المدينة أن تتولى تلك الوظيفة؛ لأنها لن تتمكن قط من أن تنال وظيفة لائقة. وكانت تقضي جل وقتها فيما يشبه معتزلا أعدته لنفسها خلف مكتبها، وبه وسائد وبساط ملون وعلب بسكويت وسخان كهربائي وإبريق شاي وكتل من أشرطة بديعة الشكل. وكانت هوايتها هي صنع وسائد الدبابيس، وكانت كل الوسائد التي تصنعها لها الشكل نفسه؛ فكلها دمى كوباي يزينها في الأعلى ذلك الشريط الذي يكون على شكل تنورة منفوشة تغطي الوسادة الفعلية، وكانت تهدي واحدة لكل فتاة تتزوج في مدينة جوبيلي.
وقد سألتها ذات مرة عن شيء ما فأخذت تزحف حول مكتبها، وراحت تعرج بشدة بين الرفوف، ثم عادت بكتاب وناولتني إياه قائلة بالصوت المرتفع الحاد الذي يميز الصم: «إنه كتاب جميل.»
كان كتاب «انتصار باربرا وورث.»
كانت المكتبة متخمة بمثل هذا النوع من الكتب؛ كتب قديمة مملة زرقاء وخضراء وبنية اللون ذات أغلفة أصبحت مهترئة ومهلهلة بعض الشيء. وكان غالبا ما يكون على أغلفتها صورة شاحبة بالألوان المائية لسيدة ترتدي ملابس تشبه ملابس الشخصيات التي يرسمها جاينزبورو، ويكتب تحتها كلمات على غرار: «السيدة دوروثي تسعى للعزلة في حديقة الورود كي تتفكر مليا في أهمية ذلك التواصل الغامض (ص112).»
مؤلفات جيفري فارنول، وماري كوريلي، ورواية «أمير بيت ديفيد»، كلهم أصدقاء قدامى ممتعون حزانى مهترئون. كنت قد قرأتها من قبل، لكنني لم أقرأها ثانية، أما الكتب الأخرى فكنت أعرفها من ظهرها، أعرف كل انحناءة في كل حرف في عناوينها، لكنني لم ألمسها أو أسحبها من رفها؛ روايات مثل «قس القرية لأربعين عاما»، «أملاك الملكة في الحرب والسلام»، كانوا مثل أناس تراهم في الشارع يوما بعد يوم، وعاما تلو الآخر، لكنك لا تعرف عنهم سوى وجوههم، وهذا يمكن أن يحدث حتى في جوبيلي.
كنت أشعر بسعادة غامرة في المكتبة؛ فهي مكان بنيت جدرانه من صفحات مطبوعة، دليل إلى عوالم كثيرة بديعة، وهو ما كان يمنحني إحساسا بالراحة. على النقيض من هذا كانت ناعومي؛ فكانت تشعر أن هذا العدد الهائل من الكتب يثقل كاهليها، ويجعلها تشعر بالقلق والشك. كانت في السابق تقرأ كتب ألغاز الفتيات، لكنها كبرت على هذه العادة. وقد كان هذا أمرا معتادا في جوبيلي؛ إذ كانت قراءة الكتب كمضغ العلك، عادة يجب التخلي عنها عندما تطغى على المرء سمات الجدية والاكتفاء التي تأتي مع مرحلة البلوغ، لكنها كانت تظل راسخة عند السيدات غير المتزوجات، غير أنها تعتبر عادة مخزية في حالة الرجال.
وهكذا كي تظل ناعومي صامتة بينما أتفحص أنا الكتب، كنت أحضر لها شيئا لتقرأه، شيئا لا تتصور هي أن يكون موجودا بين دفتي كتاب. جلست على السلم الصغير الذي لم تستخدمه بيلا فيبين قط، وأحضرت لها ثلاثية «كريستين لافرانسداتر» الضخمة خضراء الغلاف. وبحثت في صفحات الكتاب عن الجزء الذي يصف كريستين وهي تنجب طفلها الأول، ساعة بساعة، وصفحة بصفحة، ما شعرت به من آلام وما نزفته من دماء وهي تجلس القرفصاء على القش. شعرت ببعض الحزن وأنا أناولها الكتاب؛ كنت دائما أخون شخصا ما، لكنها بدت لي الطريقة الوحيدة كي أتدبر أموري. لم يكن هذا الكتاب مثيرا للاهتمام بالنسبة لي. كلا، فمتى كنت أود العيش في القرن الحادي عشر مثل كريستين، بل وألد طفلا على كومة من القش بفرض أني عشت في ذلك الوقت، ولا سيما متى كنت أريد حبيبا مثل إيرلوند ذاك الفارس الوحيد الكئيب المليء بالعيوب؟!
بعد أن انتهت ناعومي من قراءة الرواية أتتني سائلة: «هل اضطرت للزواج؟» «نعم.» «هذا ما ظننته؛ لأن الفتاة إذا ما اضطرت للزواج، فإنها إما تموت أثناء الولادة، أو تشرف على الموت، أو يولد الطفل بخطب ما مثل شفاه أرنبية أو قدم حنفاء أو قد يكون عيب ما في الرأس. لقد رأت أمي كل هذا.»
لم أجادلها في الأمر، ولكنني لم أصدقها كذلك؛ فوالدة ناعومي تعمل ممرضة ممارسة، وعلى حسب ما تقول - أو ما تنقله ناعومي عنها - سمعت أن الأطفال الذين يولدون بكيس الجنين يصيرون مجرمين عندما يكبرون؛ وأيضا أن هناك رجالا جامعوا نعاجا فكانت نتيجة الجماع كائنات ضئيلة هزيلة موبرة بوجوه بشر وأذناب نعاج لم تلبث أن ماتت وحفظت في زجاجات في مكان ما؛ وعن نساء مجنونات جرحن أنفسهن بطرائق فاحشة باستخدام شماعات المعاطف. كنت أصدق أو أنكر تلك الروايات وفقا لمزاجي العام في تلك اللحظة إن كنت مبتهجة أو كنت خائفة. لم أكن أحب والدة ناعومي؛ فقد كان لها صوت رنان متغطرس وعينان جاحظتان ذابلتان - كعيني ناعومي - وسألتني هل بدأت في المحيض أم لا. لكن أي شخص يتعامل مع أمور الولادة والموت، ومستعد لرؤية أي شيء - النزيف ومخلفات الولادة وتحلل الأجساد المريع - والتعامل معه لا بد أن يلقى آذانا مصغية مهما كانت الأخبار التي يأتي بها. «هل سيمارسان الجنس في أي جزء من أجزاء هذا الكتاب؟»
أخذت أبحث في الرواية - وأنا شغوفة بأن أزينها في ناظري ناعومي تماما كقس يحاول جاهدا أن يظهر أن الدين من الممكن أن يكون عمليا وممتعا - حتى وجدت ذلك الجزء الذي يختلي فيه إرلوند وكريستين داخل الحظيرة، لكنه لم يكن مرضيا بالنسبة لها. «هل من المفترض أن يعني هذا أنهم مارسوا الجنس؟»
Halaman tidak diketahui