يعني بها مصطفى كمال - كمال أتاتورك - وحركته الدينية، غفر الله له!
وقد كان في منية الرافعي أن يتم هذه النسخة من كليلة ودمنة يعارض بها كتاب ابن المقفع أو يتمه، ولكنه لم يوفق، وكان في ذلك خير له، فهذه الفصول في موضعها من الكتب التي نشرت بها أجمل وأخف، وإفرادها بالنشر يحملها على تكلف الصنعة ويباعد بينها وبين أذواق القراء، على أن هذه الفصول لا اتصال بينها في موضوعها بحيث تصلح للنشر متساوقة متتابعة كما تتساوق الفصول والأمثال في كتاب ابن المقفع. •••
هذا مجمل الرأي وملخص الموضوع في كتاب «المعركة تحت راية القرآن» وما احتواه، وهو وكتاب «على السفود» خلاصة مذهب الرافعي في النقد وأسلوبه في الجدال، وفيهما أشلاء المعركتين الطاحنتين بينه وبين طه وبينه وبين العقاد، بدمائهما، ورمامهما، ولهيبهما المستعر، ودخانهما الخانق، وغبارهما الكثيف ...
لو تجرد هذان الكتابان من بعض ما فيهما لكانا خير ما أنتجت العربية في النقد، وأحسن مثال في مكافحة الرأي بالرأي مع الاطلاع الواسع والفكر الدقيق، ولكن وا أسفا، إن الإطار يحجب ما في الصورة من جمال، فمن ذا - غير مالك الصورة - يستطيع أن يحطم هذا الإطار ليجلو الصورة في جمالها على أعين الناس؟
شاعر الملك
وهذا فصل آخر مما يتصل بموضوع الحديث عن الرافعي في النقد؛ إذ كان هو أول ما بين الرافعي وعبد الله عفيفي، فإني لأقدم به للقول عن خبر ما كان بينهما من الخصومة التي مهدت للرافعي من بعد أن ينشئ كتابه «على السفود» في نقد ديوان العقاد. •••
في سنة 1926 كان ناظر الخاصة الملكية، هو المرحوم محمد نجيب باشا، وكانت السياسة المصرية تسير في طريق ذي عوج، مهد لطائفة من رجال الحكم والسياسة أن ينشئوا حزبا ينسبون إليه الولاء للقصر، فهيئوا لطائفة غيرهم من السياسيين أن يزعموا أنهم أولياء على حقوق الشعب، حراص على سلطة الأمة، فنشأت بذلك قوة بإزاء قوة، وتناظر سلطان وسلطان، وكان لكل طائفة لسان وبيان ...
في تلك الآونة، تقدم المرحوم محمد نجيب باشا إلى الرافعي أن يكون شاعر الملك، فلقي ذلك العطف الكريم بحقه من الشكر والرضا وعرفان الجميل.
وشاعر الملك، أو شاعر الأمير، لقب قديم في دولة الأدب، وله في تاريخ العربية تاريخ، منذ كان النابغة والنعمان، وزهير وهرم بن سنان، والأخطل وبنو أمية، والنواسي وأبو العتاهية في بني العباس، والبحتري في إمارة المتوكل، والمتنبي في بلاط سيف الدولة، إلى شعراء وملوك لا يحصيهم العد، ولا ننسى في تاريخ مصر الحديث أن نذكر الشاعرين: أبا النصر، والليثي، وليس بعيدا عنا أمير الشعراء المرحوم شوقي بك «شاعر الحضرة الفخيمة الخديوية»، وقد كان من الولاء والحب لمولاه بحيث لم تطمئن السلطة الحاكمة إلى بقائه في مصر بعد خلع الخديو عباس فنفته إلى الأندلس.
ولقد كان شاعر الملك قبل الرافعي هو الشاعر المرحوم عبد الحليم المصري، فلما مات تطلعت الشعراء إلى موضعه، وكان أكثرهم زلفى إلى هذا المنصب هو المرحوم حافظ إبراهيم؛ إذ كان ما يزال في نفسه شيء يهفو به إليه، مما كان بينه وبين شوقي من المنافسة الأدبية في صدر أيامه على رتبة شاعر الأمير. •••
Halaman tidak diketahui