لقد سمعت نشيد الرافعي أول ما سمعته في حفل رسمي أقيم لإذاعته بطنطا في سنة 1921 أو 1922 بمسرح البلدية، فما أحسب أني رأيت من بعد نشيدا احتفل له الناس ما احتفلوا لنشيد الرافعي يومئذ، فإذا كان قد مات بعد ذلك بسنين وجر عليه النسيان أذياله، فما أظن ذلك كان لضعف فيه أو نقص يعيبه، ولكننا نعيش في شعب أكبر فضائله أن ينسى ...
اسلمي يا مصر
وتطورت الفكرة الوطنية فتمثلت بشرا في سعد زغلول، فهو المصري الذي لو أرادوا أن يمثلوا ذلك الشعب العريق إنسانا تراه العين لما وجدوا إلا صورته، ولو سألوا: من الرجل الذي يقول أنا الأمة صادقا لما وجدوا غيره ...
وتطورت فكرة النشيد القومي عند الرافعي، فرأى رؤياه في منامه ... فلما أصبح ألف نشيده «اسلمي يا مصر»، وما كان هم الرافعي عندما ألفه أن يجعله نشيدا قوميا، إنما قصد إلى أن يجعله بيانا رمزيا على لسان سعد، أو كما يقول الرافعي في خطابه إلى سعد في جبل طارق:
وما أردت بإظهار نشيدك إلا أن تظهر في كل فرد من الأمة على قدر استعداده، ويبقى اسمك الجليل مع كل مصري على الدهر ليكون مصدرا من مصادر إمداده.
ويقولون: إنه نشيد يقربك من الأجيال الآتية، وأنا أقول: إنهم هم يتقربون به إليك، ويجدون منه الوسيلة لتقبيل اسمك المحبوب؛ إذ لا يستطيعون مثلنا تقبيل يديك، ويجدون في كل زمن من شرح هذا الاسم الكبير أنه الرجل الذي خط قلم الأزل بيده كتاب نهضته الكريمة، واختاره الله للأمة كما اختار الأنبياء إلا أنه نبي الفكر والعزيمة ...
قلت: إن الرافعي لم يكن يعني بإنشاء نشيده «اسلمي يا مصر» أن يجعله نشيدا قوميا، فإنه لمطمئن إلى أن نشيده «إلى العلا ...» ماض في طريقه إلى هذا الهدف، إنما كان يعني أن يضع في هذا النشيد صوت سعد كما تصورت حقيقته في نفسه، لكن نشيده ما كاد ينشر ويذاع، حتى أبدت البلاد رأيها، فقام الطلبة والأدباء والفنانون يدعون دعوتهم إلى اتخاذه نشيدا قوميا ليجعلوا صوت سعد في هذا النشيد صوت البلاد، وليتخذوا ما فيه من معاني المجد شعارا لكل مصري؛ أن كان صوت سعد يومئذ هو صوت كل مصري.
وتألفت اللجان في مختلف البلاد لإعلانه وإذاعته، وتسابق الملحنون إلى ضبط نغمته ورسم لحنه، فكان أسبقهم إلى ذلك الموسيقار منصور عوض، والموسيقار صفر علي، واللحن الأول أدق اللحنين وأوفاهما بالغاية، ولكن اللحن الثاني أذيع وأعم، وبه تنشده فرق الكشافة المصرية بعد أن صار نشيدها الرسمي.
نشيد الاستقلال
ونجحت الدعوة نجاحها المؤمل، فصار نشيد «اسلمي يا مصر» هو نشيد مصر القومي من سنة 1923 إلى سنة 1936 حين أعلنت الحكومة عن المباراة العامة لتأليف نشيد قومي يهتف به الشعب وتعترف به الحكومة.
Halaman tidak diketahui