ولدى الدكتور محمد الرافعي مشروع لإحياء تراث أبيه، لست أدري أيجد الوسائل لتنفيذه أم تحول دونه الحوائل وتمنع منه الضرورات؟
على أني أكاد أومن بأن هذه ليست هي الوسيلة للمحافظة على تراث الرافعي، فليس من الوفاء له وحسن الرعية لأولاده أن نحمل عليهم هذا العبء وما انتفعوا من أبيهم بأكثر مما انتفع كل أديب وكل مسلم وكل عربي في مصر وغيرها من بلاد العربية.
لقد كان الرافعي صاحب دعوة في العربية والإسلام يدعو إليها، فحقه على العربية، وحق العربية على أدبائها، وحق الإسلام على أهله، أن نجدد دعوته، وأن نبقي ذكره، وأن ننشر رسالته، وأن نعنى بآثاره، فإذا نحن وقد وفقنا إلى كل أولئك فقد وفينا له بعض الوفاء!
والآن فلننظر لنرى مقدار ما يمكن أن تصل إليه هذه الدعوة من النجاح، وأمامنا إلى ذلك وسيلتان: أولاهما: أن نعرف مدى تأثر الناشئة من المتأدبين اليوم بأدب الرافعي ومذهبه، والثانية: هي البحث عن آثار الرافعي ومنشآته الأدبية وتراثه الفكري لنحرص عليه من الضياع.
فأما الأولى: فإن بين الرافعي والأكثرين من ناشئة المتأدبين في هذا الجيل حجابا كثيفا يمنعهم أن ينفذوا إليه أو يتأثروا به، لعوامل عدة:
فالرافعي أديب الخاصة، كان ينشئ إنشاءه في أي فروع الأدب ليضيف ثروة جديدة إلى اللغة تعلو بها وتعز مكانا بين اللغات، وشبابنا - أصلحهم الله - لا يعرفون الأدب إلا ملهاة وتسلية، لا ينشدونه للذة العقلية وسمو النفس، ولكن ينشدونه لمقاومة الملل وإزجاء الفراغ؛ فهذا سبب.
والثاني: أن الرافعي - رحمه الله - لم يكن يكتب الكتابة الصحافية التي ينشئها أكثر كتابنا ليتملقوا غرائز القراء بالعبارة المتهافتة والقول المكشوف، وعند المتأدبين من ناشئة اليوم أن قيمة الأدب هي بمقدار انطباقه على أهواء النفس وارتياحها إليه وقدرتها على أن تسيغه بلا تكلف ولا عناء!
وثمة سبب آخر، هو طغيان السياسة على الأدب في هذا الجيل طغيانا أقحم على الأدب ما ليس فيه وعلى الأدباء من ليس منهم، بحيث يتحرج أكثر الأدباء أن يقولوا قالة أو رأيا أدبيا في أديب أو شاعر إلا متأثرين بما كان له من مذهب سياسي أو رأي في السياسة المصرية.
والرافعي رجل كان لا يعرف السياسة ولا يخضع لمؤثراتها، ولم يكن يعتبر له مذهبا في النقد إلا المذهب الأدبي الذي لزمه منذ نشأ في الأدب؛ فمن ذلك كانت خصوماته الأدبية تنتهي نهايتها إلى اتهامه في وطنيته وفي مذهبه السياسي، ورآها أكثر خصومه من كتاب الشعب فرصة سانحة لينالوا منه عند القراء، فانتهزوها، وبالغوا في اتهامه، وأغرقوا في الطعن على وطنيته وتأولوا مذهبه، حتى صار عند بعض القراء رجلا لا وطنية له ولا إنسانية فيه ولا إخلاص في عقيدته ، وما تزال السياسة عند أكثر شبابنا ذات سلطان، وما زال الأدب يجري في غبار السياسة وهو أعلى مكانا وأرفع منزلة ...
ولقد يضاف إلى كل أولئك سبب أخير، هو أن أكثر ما كان يتناوله الرافعي من شئون الأدب هو ما يتصل بحقيقة الإسلام أو معنى من معانية، على أن الكثرة من ناشئة المتأدبين اليوم يريدون أن يفرقوا بين الأدب والدين، فلا يرون ما ينشأ في هذا الغرض لونا من ألوان الأدب أو مذهبا من مذاهبه.
Halaman tidak diketahui