وكانت كذبة، ولكنها أنشأت مقالة لم أقرأ مثلها فيما قرأت من روائع الأدب العربي! •••
كان أكثر جلساء الرافعي في هذه الفترة هم الأصدقاء «س، أ، ع» فكان لهم سره ونجواه، وإلى موعدهم مغداه ومراحه، وكان حديثهم إليه وحديثه إليهم هو عنده مادة الفكر وموضوع الكتابة، وكان لكل واحد من الثلاثة الأصدقاء في هذه الفترة مشكلة تملأ فراغ رأسه، فهي له في الليل مشغلة وفي النهار مشغلة.
أما «س» فكان على نية الزواج، قد ترامت أمانيه إلى واحدة من أهله، ولكن التقاليد وقفت بينها وبينه موقفا ما، أورثه ضجرا وملالة وسخطا على الناس وتبرما بالحياة وخروجا على ما تواضع الناس عليه من التقاليد في شئون الزواج.
وأما «أ» فكان في عهد بين عهدين من حياته، قد ودع ماضيه بما فيه من عبث ومجانة، وطلق شهواته إلى عهد يستشرف إلى ما فيه من المتاع الحلال في ظل الزوجة المحبوبة المحبة، فسمى زوجته وعقد عقده، ثم وقف ينتظر اليوم الذي يبني فيه بأهله قلقا عجلان، واليوم الموعود لا يحين؛ لأن التقاليد تبعده كلما دنا موعده ...
وأما «ع» فشاب قد انفرد في الحياة من أهله، فقد أمه وهو غلام، فما كاد يستوي شبابه حتى مضى يلتمس ما فقد منذ طفولته من حنان الأنثى، فتزوج، ثم فقد زوجه، ثم تزوج الثانية فما بقيت إلا بمقدار ما بقيت الأولى، ولكنها خلفت بضعة منها بين يديه مصورة في طفلة سلبها القدر أمها يوم منحها الحياة! ... هو أب ولا زوج له، هو عزب وكانت له زوجتان، وهو فتى يؤمن بالله ويلحد في القدر، وهو شخصيتان منفصلتان تعرف إحداهما في المسجد وتعرف الثانية في الشارع، وله عين عفة وعين فاجرة، وله في الحياة تجربة ورأي، وله إلى الهوى والملذات مثل اندفاع الشاب الذي لم يذق ولم يجرب بعد!
ثلاثة نفر لكل منهم رأيه في الحياة ومذهبه، ولكنهم قد التقوا في مجلس الرافعي على هوى واحد، فأحلوه من أنفسهم وأحلهم من نفسه، فكان له من أحاديثهم شعور الشباب، ولهم من حديثه حكمة الشيخ، وللأدب من كل مجلس يجمعهم وإياه موضوع حي مما كتب الرافعي لقراء الرسالة ...
ومن هذه الموضوعات «قصة أب».
ذلك هو الصديق «ع» كان الله له ...!
جلس مجلسه يوما إلى الرافعي يشكو بثه وهمه والدموع تترقرق في عينيه، واستمع الرافعي إلى شكاته متألما حزينا، فما فرغ «الأب» من قصته حتى جمع الرافعي «قصاصات» الحديث فجعلها في جيبه وجلس يتفكر ... ثم كانت «قصة أب». •••
وفي الأسبوع التالي كان زفاف ابنته «وهيبة» إلى ابن أخيه في حفل أهلي خاص وصفه الرافعي في مقاله «عرش الورد»، وهو عرش نظمه أخو العروس
Halaman tidak diketahui