كان للأنبياء والدعاة أصحاب كثيرون أو قليلون، ولكنهم لم يذكروا بين عداد العاملين أو بين أبطال التاريخ، ولم يجتمع قط في صحبة طويلة للأنبياء أمثال هؤلاء الأصحاب الذين حفوا بنبي الإسلام، ولا نحصيهم في هذا المقام، ولكننا نذكر منهم أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليا، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، ومعاذ بن جبل، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبا عبيدة بن الجراح، والمقداد بن عمرو، وغيرهم من السابقين المتلاحقين في هذا الطراز، كل منهم أمة في رجل أو قائد على جيش، أو مؤسس لدولة أو سيد بين علية القوم يؤتم به ويهاب، وكلهم يلحظ في عشرته لنبيه أنه يعتز برئاسته وولائه، فضلا عن إيمانه به إيمان المهتدي بهاديه المصدق الأمين.
ذلك مقياس للعظمة الإنسانية لم يتحقق قط لعظيم من عظماء بني الإنسان، ولا استثناء لأحد من العظماء الدينيين كان أو من العظماء الدنيويين.
فالصداقة العالية أكبر برهان من براهين العظمة المحمدية في صورتها الإنسانية، مع صورتها القدسية الإلهية.
ومحمد الصديق هو أعظم العظماء بين بني الإنسان بمقياس هذه «الظاهرة» النفسية الفذة في تواريخ العظماء. •••
ولسنا نقول غير الحقيقة التي تثبت كل الثبوت بمعيار النفوس، إذا قلنا: إن محمدا الزوج أعظم نفسا وخلقا من محمد الصديق.
إن الأراذل من المحترفين بالتبشير الديني قد ابتذلوا كل أدب من آداب الدين، وكل خلق من أخلاق الكرام، حين اتخذوا من زواج محمد - عليه السلام - مذمة يعيبونه بها، حاشاه بين رسل الله، بل يعيبونه بها بين عامة الخلق من عباد الله.
ولو كان محمد كما أرادوا أن يكون طالب متعة في زواجه، لكان على النقيض مما كان، لو كان كما أرادوا لكان في حريمه عشرات من أجمل العقائل والجواري، من بيوت العرب ومن سبايا العجم والروم، يرفلن في الحرير ويتحلين بالذهب والجوهر، ويأكلن على سماط كسماط قيصر وكسرى وبلقيس.
ولكنه كان وحوله من الزوجات الكهلة والشيخة، والتي مات عنها زوجها، والتي عز عليها الزواج من غيره، ولم تكن بين هؤلاء غير فتاة عذراء واحدة هي بنت صديقه أبي بكر الصديق، وكن جميعا يشكين قلة المؤنة، وشظف العيش، ويخيرن بين الطلاق وبين البقاء على هذه الحال:
يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما (الأحزاب: 28، 29).
وإذا بحثنا عن بواعث الزواج النبوي كلها لم نجد بينها غير باعثين اثنين، كان لهما الأثر الأول والأخير في اختياره - عليه السلام - لكل زوجة من زوجاته، وهما مصلحة الدعوة والمروءة العالية.
Halaman tidak diketahui