95

وأبي بكر، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر. وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا . فإذا عبد الله بن أبي بكر غدا من عندهما إلى مكة تبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفي عليه. حتى إذا مضت الثلاث وسكن عنهما الناس. أتاهما صاحبهما الذي استأجرا ببعيرهما وبعير له ... إلخ هذا ما ذكر ابن هشام عن قصة الغار نقلناه إلى حين خروج محمد وصاحبه منه.

وفي مطاردة قريش محمدا لقتله وفي قصة الغار هذه نزل قوله تعالى:

وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .

1

وقوله عز وجل:

إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم .

2

وفي اليوم الثالث حين عرفا أن قد سكن الناس عنهما أتاهما صاحبهما ببعيريهما وبعير له، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بطعامهما. فلما ارتحلا لم تجد ما تعلق به الطعام والماء في رحالهما، فشقت نطاقها وعلقت الطعام بنصفه وانتطقت بالنصف الآخر؛ فسميت لذلك «ذات النطاقين». وامتطى كل رجل بعيره ومعهما طعامهما ومع أبي بكر خمسة آلاف درهم هي كل ماله. وزادهما اختفاؤهما بالغار وعلمهما بإمعان قريش في تتبعهما حرصا وحذرا؛ فتخذا إلى يثرب طريقا غير الطريق الذي ألف الناس. سلك بهما دليلهما عبد الله بن أريقط (أحد بني الدئل) ممعنا إلى الجنوب بأسفل مكة ثم متجها إلى تهامة على مقربة من شاطئ البحر الأحمر. فلما كانا في غير الطريق الذي ألف الناس اتجه بهما شمالا محاذيا الشاطئ مع الابتعاد عنه، متخذا من السبل ما قل أن يطرقه أحد، وأمضى الرجلان ودليلهما طيلة الليل وصدر النهار على رواحلهم، لا يعبآن بمشقة ولا يضنيهما تعب. وأية مشقة أخوف مما يخافان من قريش لصدهما عن الغاية التي يبتغيان بلوغها في سبيل الله والحق؟!

صحيح أن محمدا لا تساوره ريبة في أن الله ناصره، ولكن لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. والله في عون العبد ما دام العبد في عون نفسه، وفي عون أخيه. لقد تخطيا في أمان أيام الغار، ولكن ما جعلته قريش لمن يردهما أو يدل عليهما جدير بأن يستهوي نفوسا يغريها الكسب المادي ولو جاء عن طريق الجريمة. فما بالك وهؤلاء العرب من قريش يعتبرون محمدا عدوا لهم؟! وفي نفوسهم من خلق الغيلة ما لا يأنف من الفتك بالأعزل والاعتداء على من لا يستطيع عن نفسه دفاعا. فليكونا إذن على أشد الحذر، وليكونا أعينا ترى، وآذانا تسمع، وقلوبا تشعر وتعي.

ولم يخنهما حدسهما؛ فقد أقبل على قريش رجل أخبرها أنه رأى ركبة ثلاثة مروا عليه يعتقدهم محمدا وبعض أصحابه، وكان سراقة بن مالك بن جعشم حاضرا فقال: إنما هم بنو فلان؛ ليضلل الرجل وليفوز بمغنم النوق المائة. ومكث مع القوم قليلا ثم عاد إلى بيته فتدجج بسلاحه، وأمر بفرسه فأرسل إلى بطن الوادي حتى لا يراه أحد ساعة خروجه، وامتطاه ودفعه إلى الناحية التي ذكر ذلك الرجل، وكان محمد وصاحباه قد أناخوا في ظل صخرة ليقيلوا وليرفهوا عن أنفسهم بعض ما أرهقها من وصب، ولينالوا من الطعام والشراب ما لعلهم يستعيدون به قوتهم وصبرهم.

Halaman tidak diketahui