Hayat Masih
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Genre-genre
ومن الجامدين من يفخر بعلمه بالنصوص والشرائع، ويقيس علمه بمبلغ قدرته على خلق العقد والعقبات من خلال حروفها وسطورها، أو من المقابلة بين سوابقها ولواحقها وبين مواضع الموافقة والمناقضة منها، ويحدث هذا لكل «شريعة» صارت إلى أيدي الجامدين والحرفيين، فقد أدركنا في مصر أناسا من كتاب الدواوين يفخرون بقدرتهم على توقيف العمل بين المراجعات والردود، اعتمادا على هذا النص أو تلك الحاشية، وافتنانا منهم في عصر العبارات، ونبش الدفائن، وإقامة الدليل من ثم على سعة العلم والغلبة في ميدان الحوار ومجال اللف والدوران.
ولا حساب للنفس البشرية بطبيعة الحال عند هؤلاء الجامدين الحرفيين، فإنما الحساب كله للنص المكتوب من جهة، ولدعوى العلم والتخريج من جهة أخرى، وإنما النفس البشرية هي الفريسة التي يتكفل العقاب باقتناصها، ويتكفل العلم بإغلاق منافذ النجاة في وجهها، ويقدح في غرور العالم المحيط بأسرار الشريعة وخفاياها أن تتمكن النفس المسكينة من الهرب، وأن يرجع العقاب بغير فريسة، وتلك خيبة للشرائع والقوانين، خيبة لها أن تفتح مذابحها ثم تتيح للضحايا والقرابين أن تفلت منها!
فالشارع الماهر في عرف الجمود هو أقدر الشارعين على مد الحبائل، واقتناص الضحايا.
والفخر كل الفخر لخدام الشريعة أن يوفروا لها الصيد، ويحكموا من حوله الشبكة.
وقد تنتفخ الأوداج بهذا الفخر علانية، ويصبح أحق الناس بالمفخرة أقدرهم على إدانة الآخرين.
ويتمادى الأمر حتى تصبح الاستقامة براعة في اللعب بالألفاظ، وتعجيزا للجهلاء بالحيل والفتاوى، وحتى يزول الجوهر في سبيل العرض، ويزول اللباب في سبيل القشور، وتزول الاستقامة وطهارة الضمير في سبيل الكلمات والنصوص، وتزول الحقائق في سبيل الظواهر والأشكال.
وإذا صار أمر الفضائل إلى الظواهر والأشكال تساوى فيها الصدق والرياء، فإن غاية الصدق والرياء معا شكل ظاهر باطنه خواء، فلا فرق بين المرائي وبين الصادق في فضيلته، ما دامت الفضيلة جمودا لا حس فيه، ولا حياة، ولا اعتبار فيه للنفس البشرية وراء النصوص والأحكام، ووراء الأوامر والنواهي، ووراء العقاب والاحتيال.
إن الجمود والرياء كلاهما موكل بالظواهر.
وعالم الظواهر غير عالم الضمير.
وهذان هما العالمان اللذان تقابلا وجها لوجه عند قيام الدعوة المسيحية.
Halaman tidak diketahui