Hayat Masih
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Genre-genre
باليونانية، فكل حكمة عندهم فهي من الحكمة الإلهية يتلقاها الباحث بالرياضة والمناجاة «والانسجام» بينه وبين موسيقى الكون، إذ الكون كله عندهم نسب عددية موسيقية، وصورة كماله عدد الأربعة، ولعله كذلك عندهم؛ لأنه يجمع العناصر الأربعة التي تخلق منها جميع الأشياء.
وقيل إن لهم أغراضا سياسية، وإنهم كانوا يتآمرون على الدولة في اجتماعاتهم السرية، وقد عاش فيثاغوراس في القرن السادس قبل الميلاد، وساح في بقاع العالم المعمور كله، وبقيت نحلته، أو أخوته في جميع الأقطار، ولا سيما الأقطار التي أقام فيها اليونان المستشرقون.
أما الأبيقورية والرواقية فقد ظهرتا في عصر واحد، وانتشرتا بين المثقفين في جميع أنحاء العالم المعمور، ويبدو عليهما أنها متناقضتان، ولكنهما في الواقع متقاربتان أو يمكن أن تتقاربا عملا على حسب التفسير والسلوك في المعيشة.
نشأ أبيقور بين القرن الرابع والقرن الثالث قبل الميلاد، وولد - على القول الأشهر - في جزيرة ساموس على مقربة من شواطئ آسيا الصغرى، ولاذ بآسيا الصغرى مع أهله هربا من الاضطهاد، وقد أقبل على دراسة الفلسفة وهو في نحو الرابعة عشرة، وافتتح مدرسته في حديقته المشهورة بأثينا سنة 311 قبل الميلاد، وهو في نحو الثلاثين.
وإذا قيست فلسفة أبيقور على معيشته الشخصية فهي حياة نساك متقشفين؛ لأنه كان يقضي معظم أيامه على الخبز والماء، أو على الخبز والجبن، لكن اسمه اقترن باللذات والشهوات؛ لأنه كان يعلم تلاميذه أن السرور هو غاية الحياة، وأفضل السرور ما لم يعقب ألما ولا ندما، ولهذا كان يجتنب الشهوات البهيمية، ويجعلها من قبيل السرور «المتحرك»، وهو السرور الذي يقترن بالجهد ويعقب الندامة والعناء، وقد كان يقسم السرور إلى نوعين: سرور متحرك، وسرور مستقر أو ساكن، وأفضلهما كما تقدم سرور السكينة والاستقرار، ويعني به سرور التأمل والراحة والقناعة.
وكان أبيقور يقبل في مدرسته العبيد والراقصات والمأجورات، ولا يرى حرجا في طلب السرور، حيث يوجد بريئا من الألم والندم، بل لا يرى كيف يتخيل الحكيم «الخير» إذا أخرج من حسابه مسرات الذوق والنظر والسماع، ومن أعرض عن سرور يستطيعه في غير ألم ولا ندم فهو أحمق وليس بحكيم.
وقد أنحى أبيقور على الديانات اليونانية وغيرها من ديانات زمانه أنها محشوة بالخرافات والأكاذيب، وعلم تلاميذه أن الآلهة موجودة، ولكنها مشغولة بسعادتها عن شئون الدنيا، فلا قدر لها فيها ولا قضاء، ولا فرق عنده بين الأرباب والمخلوقات إلا في لطافة المادة ونقاوة التركيب، فكلها من المادة وليس لغير المادة وجود.
ومن هنا كان يقبل كل تفسير لظواهر الوجود يرجع بها إلى الأسباب الطبيعية، ويرفض كل ما كان مرجعه إلى الأرباب والغيوب، ويواجه الموت نفسه على مذهبه في السرور والألم، فإن لم يكن في الموت مسرة فهو خلاص من آلام الحياة، ولهذا شاع مذهب أبيقور في عصور الشك والسآمة وفقدان اليقين والإيمان بالعناية، وفضله المكذبون بالديانات على مذهب الرواقيين؛ لأن الأبيقورية - خلافا للرواقية - لا تعفي أصحابها من التكاليف، ولا تفرض على عقولهم أو ضمائرهم واجبا يثقل على كواهلهم، ولكنها مع هذا كانت تجمع قواعدها ووصاياها في أصول منظومة أشبه بالأوراد الدينية، التي يستظهرها المريد ويترسمها ترسم الإيمان والعبادة. •••
وإذا أردنا تلخيص المذهب الرواقي في كلمتين اثنتين، فهاتان الكلمتان هما الصبر والعفة.
الصبر على الشدائد، والعفة عن الشهوات، ولا سعادة للإنسان من غير نفسه وضميره، فمن راض نفسه على مغالبة الألم والحزن، وقمع الشهوة والهوى، فقد بلغ غاية السعادة المقدورة لأبناء الفناء، وهم يؤمنون بالقدر ويعتقدون أن الكون كله نظام متناسق يجري على حسب المشيئة الإلهية، والوحي والرؤيا والفأل وطوالع النجوم من وسائل العلم بأسراره وخفاياه، ويلتقي الإنسان بالعقل مع الآلهة، وبالجسد مع الحيوان الأعجم، وفضيلته الإنسانية هي أن يطيع العقل، ويعصي الجسد، وعصيانه الجسد هو مقاومة الشهوات، وطاعته العقل هي طلب المعرفة، وسعادة الإنسان كلها هي السعادة التي تتهيأ له من الاستغناء عن الشهوة، وتحصيل العلم، فما زاد على ذلك من السعادة فهو وهم لا يدرك، أو هو فضول لا خير فيه.
Halaman tidak diketahui