Kehidupan Intelektual di Dunia Baru
حياة الفكر في العالم الجديد
Genre-genre
لبثت «جامعة فينا» في فينا نفسها حينا، وجعلت تزداد نشاطا باشتراك أعضائها في المؤتمرات الفلسفية وبإصدارها لمجلة خاصة بهم؛ حتى حدث عام 1938م أن ضمت النمسا إلى ألمانيا وتلا ذلك من أحداث السياسة العالمية ما تلا، فانحلت تلك الجماعة وتفرقت، أما «وايزمان» و«نوراث» فقد ذهبا إلى إنجلترا؛ وأما «فايجل» و«كاوفمان» و«جيدل» و«كارناب» فقد رحلوا إلى الولايات المتحدة، أضف إليهم من قادة الوضعية المنطقية ممن لم يكونوا في فينا نفسها، ولكنهم رحلوا كذلك إلى الولايات المتحدة بمناسبة الحرب العالمية الثانية «رايشنباخ»
12
و«فون ميزس»،
13
وهؤلاء وأولئك جميعا هم الآن على رأس حركة فلسفية عميقة نشيطة في الولايات المتحدة، قوامها التحليل الفلسفي للقضايا العلمية.
والوضعيون المنطقيون على اختلاف نزعاتهم يجمعون على نقط رئيسية أهمها أربع، حتى ليجوز لنا أن نقول عن هذه الموضوعات الأربعة المشتركة بينهم إنها أهم ما يشغل أنصار هذه الحركة اليوم في الولايات المتحدة، وقد ذكرنا من هذه النقط اثنتين: الأولى هي أن مهمة الفلسفة تحليل لما يقوله العلماء، وما يقوله الناس في حياتهم اليومية، لا تفكير تأملي ينتهي بالفيلسوف إلى نتائج معينة يصف بها الكون وما فيه، والثانية هي نتيجة ترتبت على النقطة الأولى، وهي حذف الميتافيزيقا من مجال الكلام المشروع؛ لأن التحليل - تحليل عباراتها الرئيسية تحليلا منطقيا - قد بين أنها عبارات خالية من المعنى، أي إنها ليست بذات مدلول، حتى يصح وصفها بالصواب أو بالخطأ، وأما النقطة الثالثة فهي اتفاقهم على نظرية «هيوم» في تحليل السببية تحليلا يجعل العلاقة بين السبب والمسبب علاقة ارتباط في التجربة، لا علاقة ضرورية عقلية، أي إننا إذا شاهدنا في تجاربنا شيئين «أ» و«ب» متصلين دائما، حدث بينهما ارتباط في أذهاننا، بحيث إذا حدثت بعد ذلك «أ» توقعنا أن تحدث معها «ب» كما حدثت معها في الخبرات السابقة، لكن لا ضرورة هناك تقتضي حتما أن يتبع حدوث «أ» حدوث «ب»، فالأمر كله احتمال وترجيح، لا ضرورة ويقين، وبهذه النظرة تغير الرأي في القوانين العلمية كلها؛ إذ أصبحت هذه القوانين قائمة على درجة كبيرة من الاحتمال، لا على أنها يقينية حتمية، وبعبارة أخرى أصبح العلم الطبيعي قائما على نفس الأساس الذي يقوم عليه الإحصاء، فإن دل الإحصاء على أن ظاهرة معينة مرجحة الوقوع في ظروف معينة، كان ذلك قانونا علميا، مع أنه لا يقين هناك؛ إذ ما يدل الإحصاء على أنه يقع غالبا قد يحدث أحيانا ألا يقع.
وهنا ننتقل إلى النقطة الرابعة والأخيرة مما يتفق عليه الوضعيون المنطقيون جميعا، وهي أن قضايا الرياضة - وكذلك قضايا المنطق الصوري - تحصيلات حاصل لا تضيف عن العالم الخارجي علما جديدا، فالقضية الرياضية مثل قولنا 2 + 2 = 4 إن هي إلا تكرار لحقيقة واحدة برمزين مختلفين، فالرياضة معادلات، والمعادلة معناها أن جانبيها متساويان، أي إن ما عبرنا عنه برمز معين في ناحية، نعبر عنه هو نفسه برمز آخر في ناحية أخرى؛ ومن ثم قيل إن قضايا الرياضة كلها تحليلية، أو تكرارية، وإذن فهي تحصيل حاصل؛ إذ إني أحصل في الشطر الثاني من المعادلة نفس الشيء الذي حصلته في الشطر الأول منها، ولا يغير الموقف أن يكون ما حصلته في الشطر الأول مرموزا له برمز معين، وأن ما حصلته في الشطر الثاني مرموز له برمز آخر، لكنه يساويه، تلك نتيجة خطيرة انتهت إليها تحليلات الوضعية المنطقية؛ لأنها تفسر يقين الرياضة، فالرياضة يقينية؛ لأنها لا تقول شيئا، وعلى عكس ذلك العلوم الطبيعية، فقوانينها احتمالية؛ لأنها تتعرض لوصف العالم الواقع؛ ومن ثم جاز أن تتعرض للخطأ في وصفها. (2) عودة إلى «عمود الفلسفة»
14
لعلك قد لاحظت في معظم الاتجاهات الحديثة والمعاصرة محاولات للخروج على الطريق التي ألفته الفلسفة طوال القرون؛ البراجماتيون، والواقعيون، والطبيعيون، والوضعيون المنطقيون، وغير هؤلاء وأولئك يحاولون ألا يتقيدوا بمألوف التقاليد الفلسفية في وجهة النظر، فكان من الطبيعي أن يقوم فيلسوف أو فلاسفة ليصدوا هذا التيار الجارف نحو التجديد، ولينادوا بالعودة إلى السبيل التي سارت عليها الفلسفة عصورا طوالا، كأنما يريدون أن يقولوا: ماذا يعيب القديم حتى نندفع بكل هذا التهور نحو الجديد؟ إن «التقاليد العظيمة» التي سادت الفلسفة «منذ أفلاطون إلى هيجل» لجديرة بالرعاية والتقدير.
ولم يكن هؤلاء الداعون إلى الأخذ بوجهة النظر التقليدية في الفلسفة على رأي واحد في كل التفصيلات، بل هم لا يجتمعون معا إلا على هذه الدعوة، ثم بعد ذلك يفترقون فلكل سبيله ولكل مذهبه، وهم إذ يجتمعون على الدعوة إلى الأخذ بالنظرة التقليدية، فإنما يعنون على وجه التخصيص تلك النظرة التي تحاول أن ترى للكون معنى مفهوما، إن الفلاسفة على مر التاريخ لم يتفقوا على مذهب بعينه حتى يقال إن الأجدر بنا أن نعود إلى الأخذ بذلك المذهب، لكنهم كانوا - مع اختلاف مذاهبهم - يحاولون تفسير الكون تفسيرا يخرجه من الفوضى والخبط العشوائي، ويجعله مكانا معقولا يستحق أن يكون مسكنا للإنسان، وأن يكون من صنعة الله الذي لم يرد بخلقه أن يسير على غير هدى، وفي ذلك يقول «ولبر إيربن»
Halaman tidak diketahui