Kehidupan Intelektual di Dunia Baru
حياة الفكر في العالم الجديد
Genre-genre
2 - إلى أن وعي الإنسان - أو شعوره أو عقله - إنما يدله على حقائق الأشياء التي يعيها، كما هي في ذاتها خارج نفسه، وليس وعيه إياها، أو معرفته لها، مما يغير من تلك الحقائق أو يحورها أو يبطلها؛ فمعرفة الإنسان للشيء الذي يدركه صورة تمثل ذلك الشيء تمثيلا صحيحا، على أن الإنسان إذ يتصل بالأشياء ليدركها، فإنما يتصل بها اتصالا مباشرا لا تكون فيه حلقة وسطى بين الجانب العارف والشيء المعروف اللهم إلا المعطيات الحسية، نعم يتصل الإنسان في عملية المعرفة بالعالم المعروف اتصالا مباشرا، فيدرك فيه ما يحتوي عليه من خصائص وحقائق، يدرك اللون كما هو واقع، ويدرك الشكل كما هو واقع، ويدرك اطراد وقوع الحوادث كما يقع، فإن أدرك الإنسان في شيء ما لونه الأزرق كانت الزرقة صفة في الشيء لا إضافة أضافها الإنسان من عنده خلال عملية الإدراك ، وإن أدرك في شيء ما أنه مثلث أو مربع، كان التثليث أو التربيع صفة في الشيء المدرك، وإن أدرك أن الأشياء تتجاذب على اطراد معين يصوره قانون الجاذبية، كان هذا الاطراد المدرك جزءا من الطبيعة، وهكذا، هذه الصفات وهذه الخصائص وهذه الطبائع كلها هي ما يسميه «سانتايانا» بالجواهر
3 - جمع جوهر - ولما كانت هذه «الجواهر» لا بد لها من سنادة أو ركيزة تستند إليها لتظهر، تحتم افتراض وجود عنصر مادي
4
ليكون مسرحا - إن صحت هذه الكلمة في هذا السياق - تظهر عليه تلك الصفات والخصائص والطبائع، فلا بد - مثلا - من مادة تتلون بالزرقة ليدرك الإنسان اللون الأزرق، ولا بد من مادة تتشكل على هيئة المثلث ليدرك الإنسان هذه الصفة، وهكذا إلى آخر ما يدركه الإنسان في عالم الطبيعة من ضروب المعرفة.
فإن سأل سائل: ومن ذا أدراك حين تعي مجموعة من الصفات مجتمعة كاللون الأزرق وشكل المثلث إلخ أن هذه الصفات المجتمعة إنما اجتمعت في شيء خارجي له وجود مفارق لوجود أفكارك في ذهنك؟ إن الإنسان إذ يعرف ما يعرفه إنما يكون على وعي بخبرته الخاصة التي هي في طوية نفسه، فما الذي يبرر له أن يقرر للشيء الخارجي وجودا مستقلا بحيث يكون ذلك الشيء الخارجي مقابلا لتلك الخبرة الخاصة الباطنية؟ إن سأل سائل سؤالا كهذا - وهكذا يسأل المثاليون - أجاب «سانتايانا» بما أسماه «الإيمان الحيواني»،
5
ففي كيان الإنسان الطبيعي هذا «الإيمان» بأن معرفته الداخلية صورة من عالم خارجي موجود، على اختلاف ما بين الجانبين، فالجانب الداخلي وعي وعقل، والجانب الخارجي مادة.
إنه لا بد من الركون إلى مثل هذا «الإيمان» لكي نفرق بين حالتين مختلفتين من حالات الإدراك؛ أما أولاهما فحالة نثق فيها بأن «الجوهر» - أو إن شئت فقل «الفكرة» - الماثل في أذهاننا هو كذلك متجسد في شيء عيني خارجي، وأما الثانية فحالة تعلم فيها أن «الجوهر» الماثل في الذهن ليس متجسدا في شيء عيني خارجي، كما هي الحال في المدركات العقلية وفي التصورات الخيالية وما إلى ذلك، فليس منا من لا يفرق في خبرته بين هذين النوعين من حالاته الإدراكية الشعورية، فكيف نعلل هذا الفرق بين الحالتين إذا نحن لم نفترض في الحالة الأولى وجود عالم خارجي يقابل أفكارنا، ثم نفترض في الحالة الثانية أن الموقف الشعوري قاصر على أنفسنا، وليس له امتداد في عالم الأشياء؟ وإذا كان ذلك كذلك فكيف يجوز الافتراض في الحالة الأولى إذا لم نركن فيه إلى «إيمان» بأن العالم الخارجي موجود إلى جانب ذواتنا المدركة الواعية؟ إذن فهذان نوعان من الوجود؛ وجود عيني ووجود ضمني؛ الأول يكون له أصول خارج الذهن وصور لتلك الأصول داخل الذهن، والثاني يكون مقتصرا على التصور الذهني وحده دون أن يكون لذلك التصور طرف فعلي مقابل له في عالم الطبيعة، على أن الوجودين معا سيظلان موجودين حتى إذا انمحت من وجه الأرض كل العقول الإنسانية، فستظل الشمس - مثلا - جزءا من الطبيعة، أدركها الإنسان أو لم يدركها، وستظل «فكرتها» موجودة وجودا ضمنيا، حتى إذا لم تكن قد ظهرت بعد في عالم الطبيعة الظاهر، وهذا المربع المرسوم أمامي سيظل هناك سواء وقع في إدراكي أو لم يقع، وكذلك ستظل «فكرة» المربع موجودة وجودا ضمنيا سواء بقيت على وجه الأرض مربعات مرسومة أو انمحت، وإذن فالتفرقة بين «الوجود الفعلي» و«الوجود الضمني» ستظل قائمة حتى ولو لم يكن هناك العقل الإنساني الذي يدركها.
ونقول هذا الذي قلناه بعبارة أخرى؛ إذ نقول: إن هنالك ما لا نهاية له من حقائق موجودة وجودا ضمنيا، أي وجودا ممكنا، وإن بعض هذه الحقائق قد سلك سبيله إلى الوجود الفعلي في هذه التشكيلات التي ندركها في عالم الطبيعة، والتي قوامها خصائص وصفات ائتلفت معا في مجموعات معينة هي هذه الأشياء التي نصادفها في خبراتنا، أي إن ما هو ممكن أكثر جدا مما هو كائن بالفعل، فليس هنالك ما يحتم أن تكون الكائنات الموجودة فعلا هي وحدها الموجودة، وأن يكون التقاؤها على النحو الذي تلتقي عليه هو الطريقة التي لا طريقة سواها لظهور تلك الكائنات، بل كان «يمكن» أن تكون الأشياء على غير ما هي عليه الآن، بأن تخرج مجموعة أخرى من الحقائق الضمنية أو الحقائق الممكنة، بدل هذه المجموعة التي خرجت بالفعل، أريد أن أقول إن العالم الموجود الآن ليس هو العالم الوحيد الذي يمكن تصوره، إذ يمكن تصور كائنات أخرى تجيء على ترتيب آخر، ويطرد فيها حدوث الحوادث على نحو آخر، وسؤالنا الآن هو هذا: على أي أساس برز إلى الوجود الفعلي هذا العالم الراهن من مجموعة العوالم الممكنة التي لا نهاية لعددها؟
وليس هو بالسؤال الحديث الجديد، بل هو سؤال ألقاه على نفسه «ليبنتز» - في القرن السابع عشر - وأجاب عنه بقوله: إن الله قد اختار هذا العالم الفعلي من بين الممكنات؛ لأنه «أفضل» الممكنات كلها، أي إنه «لم يكن في الإمكان أبدع مما كان»؛ ولذلك وقع اختيار الله على هذا الذي «كان»، أي إن مبدأ الاختيار هو مبدأ «خلقي» من قبل الخالق الذي خلق واختار، ثم هو سؤال سأله كذلك الفيلسوف الحديث «وايتهد» - وسيرد ذكره في هذا الفصل بعد قليل - وأجاب عنه بقوله: إن مبدأ اختيار ما هو فعلي من بين الممكنات مبدأ «عقلي»؛ لأن هذا العالم الواقع هو أقرب عالم يمكن تصوره إلى منطق العقل، وأما «سانتايانا» فيجيب عن السؤال نفسه بجواب آخر هو الذي ميز فلسفته بأنها فلسفة طبيعية مادية رغم كل ما اتصف به من شاعرية وروحانية، وذلك أنه جعل مبدأ اختيار العالم الفعلي الواقع من بين العوالم الكثيرة الممكنة لا هو بالمبدأ الخلقي كما ظن «ليبنتز» ولا هو بالمبدأ العقلي كما ذهب «وايتهد»، بل هو مبدأ مادي صرف.
Halaman tidak diketahui