Kehidupan Intelektual di Dunia Baru
حياة الفكر في العالم الجديد
Genre-genre
2
فمن أين استقت هذه الوثيقة عناصرها؟ إن مضمونها الفكري لم يكن من ابتكار واضعيها، فها هو ذا «جفرسن» - وهو على رأس المشتركين في إعلانها - يصرح قائلا وهو بصدد التعليق عليها: «إنني لم أشعر بضرورة تدعو إلى ابتكار أفكار جديدة لم أسبق إليها.»
3 «جون لوك» هو مصدر التفكير السياسي الذي ساد الولايات المتحدة إبان ثورتها، وليس هو بالمصدر الذي نستنتجه استنتاجا مما كان يدور عندئذ على ألسنة الناس وأقلامهم، بل هو المصدر الذي كان يتردد ذكره صراحة على أنه المعين الذي استقى منه القادة مبادئهم بطريق مباشر، «فمن كتابات «جون لوك» - قبل أي شيء آخر - استمد الأمريكيون سلاح الحجج التي هاجموا بها الملك والبرلمان في حكمهما المتعسف، ولو كان هناك رجل واحد يجوز أن يقال عنه إنه ساد الفلسفة السياسية في عهد الثورة الأمريكية، فذلك هو «جون لوك»، إذ لم يكن الفكر السياسي الأمريكي إلا تأويلا لما كتبه لوك»،
4
فماذا قال «جون لوك» مما جعل الأمريكيين أنفسهم يصفونه بقولهم إنه «فيلسوف أمريكا»، وواضع الأساس لفكرها السياسي؟
كان «جون لوك» - الفيلسوف الإنجليزي الذي عاش بين عامي 1632م و1704م - في طليعة من استخرجوا النتائج الفلسفية للعلم الحديث، وحللوا مضمون هذا العلم تحليلا ينتزع مدلوله بالنسبة إلى السياسة والأخلاق والدين، ولعله مما يجدر ذكره في هذا الموضع أن مهمة الفلسفة في صميمها هي هذا التحليل للمبادئ العلمية؛ بحيث تستخرج من هذه المبادئ ما تنطوي عليه من مضمون وفحوى، يتغير العلم السائد عصرا بعد عصر، فتتغير معه الفلسفة؛ لأنها تحليل لمبادئ العلم، فإن تغير العلم تغيرت، كان العلم السائد أيام اليونان الأقدمين هو الرياضة ، وكان اليقين الثابت هو معيار الحق ، فهل يسع الفلسفة إزاء ذلك إلا أن تبحث عما يتضمنه هذا اليقين الثابت المنشود، والمتمثل في الرياضة، لتجد أصوله الأولى في مبادئ عقلية مفارقة لهذا العالم المحسوس الذي هو عالم الأشياء المتغيرة التي لا تثبت ولا تدوم؟ ثم جاءت النهضة الأوروبية في القرن السادس عشر وما بعده، ليسود بمجيئها علم الطبيعة الذي لم تكن له سيادة من قبل، بل أوشك ألا يكون له وجود من قبل، وكيف يجوز لمن ينشد الحقيقة الثابتة الدائمة أن يجعل الطبيعة المتغيرة المتحولة موضوع بحثه؟ لكن النهضة الأوروبية قد غيرت من وجهة النظر، وجعلت الحواس مصدر العلم بعد أن لم تكن عند اليونان الأقدمين إلا مصدر الظن والخطأ، كما جعلت بالتالي ظواهر الطبيعة موضوع البحث بعد أن لم تكن شيئا جديرا بالعناية والعناء؛ فشهدت النهضة الأوروبية من علماء الطبيعة من هم بين أقرانهم في التاريخ كله ذوو مكانة ملحوظة، وعلى رأس هؤلاء «جاليليو» و«نيوتن»، وأقام هؤلاء العلماء علما للطبيعة هو الذي ساد الفكر الإنساني في القرون الثلاثة: السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، حتى جاءت نظرية النسبية في القرن العشرين، وجعلت تعدل من البناء القديم لتقيم مكانه بناء جديدا على أساس جديد.
وليس العلم الطبيعي في ذاته هو موضوع اهتمامنا الآن، إلا بمقدار ما نستعين به على معرفة النتائج الفلسفية التي نتجت عنه بالنسبة إلى السياسة، ولئن كان «جاليليو» و«نيوتن» هما على وجه الخصوص من نعني حين نتحدث عن علم الطبيعة في القرن الثامن عشر - وهو قرن التنوير والثورة في أوروبا وأمريكا على السواء - فإن «جون لوك» بصفة خاصة هو الذي استخرج من مبادئ علم الطبيعة كما أقامه «جاليليو» و«نيوتن» نتائجها الفلسفية التي تعنينا.
وأهم ما نهتم له في طبيعة «جاليليو» و«نيوتن» هو التفرقة التي فرقا بها بين نوعين من الظواهر: الظواهر كما هي في الأشياء الخارجة عن الإنسان، والظواهر كما تقع في إدراك الإنسان، وينتج عن ذلك تفرقة بين نوعين من «المكان»، ونوعين من «الزمان»، فالعلاقة المكانية والعلاقة الزمانية بين الأشياء في الخارج ليست هي نفسها القائمة بين صور الأشياء كما يحسها الإنسان بحواسه، بعبارة أخرى: هنالك مكان مطلق موضوعي مستقل عن الإنسان، تتحرك فيه الأشياء المادية، وهذا هو المكان، وهذه هي الأشياء التي يعنى ببحثها علم الطبيعة، لكن هنالك أيضا مكان ذاتي نسبي هو الذي يقع في حس الإنسان، وليس هو المقصود بالبحث عند علم الطبيعة، وكذلك قل في الزمان.
يكون للأشياء عند الحس لون وطعم ورائحة، أما الأشياء التي يبحثها علم الطبيعة، ويستقرئ قوانينها، فلا لون لها ولا طعم ولا رائحة، والأشياء عند الحس تتغير قليلا أو كثيرا تبعا لتغير الأشخاص ووجهات أنظارهم، أما الأشياء التي يبحثها علم الطبيعة، فهي مطلقة تدوم على حال واحدة بالنسبة لكل إنسان؛ إذ يكون لها من الصفات الرياضية والهندسية ما لا يتأثر باختلاف النظر عند مختلف المشاهدين، وفيما يلي خلاصة لعبارة قالها «جاليليو» ليقرر بها أن بعض الصفات - كالحرارة والطعم والرائحة واللون - هي في الإنسان المدرك، لا في الطبيعة الخارجية، وإذن فلا يكون لعلم الطبيعة شأن بها، قال جاليليو ما خلاصته:
5 «أريد أن أضع تحت الفحص هذا الذي يسمونه «حرارة» وسأجد أن فكرة الحرارة كما هي عند الناس بعيدة بعدا شاسعا عما يقع في الطبيعة الخارجية؛ إذ الحرارة ليست صفة من الجسم الذي نصفه بأنه حار، فبينما أراني مضطرا بالضرورة، إذا ما أردت أن أتصور قطعة من المادة، أن أتصور بين صفاتها الكائنة فيها، أن لها حدودا تحدها، وشكلا معينا، وأنها بالقياس إلى غيرها كبيرة أو صغيرة، وأنها في هذا المكان أو ذاك، وفي هذه اللحظة الزمنية أو تلك، وأنها متحركة أو ساكنة، فهذه كلها صفات يستحيل على أي خيال أن يتصور قطعة المادة بغيرها؛ إذ يستحيل أن توجد قطعة المادة مستقلة عن هذه الظروف كلها، أما كونها بيضاء أو حمراء، مرة أو حلوة، صائتة أو صامتة، زكية الرائحة أو كريهتها، فلا أجد عقلي مضطرا إلى افتراض لزوم هذه الصفات لقطعة المادة، فلولا حواسي، ولو كان الأمر لعقلي وحده أو خيالي وحده ، لكان من الجائز ألا أعلم شيئا قط عن أمثال هذه الصفات؛ لذلك أرى أن هذه الصفات، كالطعوم والروائح والألوان، ليست مما يصف الشيء الخارجي نفسه، وإن هي - بالنسبة إلى ذلك الشيء - إلا أسماء لا تدل على شيء فيه.
Halaman tidak diketahui