لم تكن لونكوود على رأي أحد كتبة الإنكليز تصلح لغير البهائم، فالريح تعصف فيها ليل نهار، والرطوبة منتشرة في الجو، والأرض جرداء تكاد لا تجد فيها خيالا للظل، وكان الانتقال من الإعصار إلى الأمطار إلى الضباب أو ضربة الشمس المحرقة أمرا عاديا لا يخلو منه يوم.
وكان يخيل إلى نابوليون كلما دخل غرفته أنه داخل في سرداب أو نفق تحت الأرض لشدة الرطوبة، وكثيرا ما جاء المساء، فإذا ثيابه تعصر من جراء تلك الرطوبة.
والذي زاد الطين بلة فضاق له صدر نابوليون وعيل اصطباره، وارتفع صوته بالشكوى على غير طائل هو وجود الجرذان بكثرة هائلة في الجزيرة، جرذان كبيرة لها جلبة بصوت يملأ البيت، وتمشي تحت الأسرة وفوقها وتقفز من ناحية إلى أخرى، وتدخل في الأرض وفي السقف وفي الحائط، حتى إنهم اضطروا إلى مطاردتها بإطلاق البارود عليها.
وقد حدث مرة أنه أراد بعد الأكل أن يلبس قبعته فما كاد يمد إليها يده حتى باغته جرذ كبير كان في تلك القبعة.
وكان هدسون لو سجانه وجلاده وحاكم الجزيرة يضحك من هذه الأمور، وكلما زاد نابوليون في الشكوى زاده هو سخرية واستهزاء.
هذا هو المكان الذي أعد سكنا لمن كانت تضيق به قصور الملوك، وكان منزله الخاص مؤلفا من حجرتين: واحدة للنوم، وأخرى للاستقبال، وحمام وملعب صغير للبلياردو على ضيق في المساحة وبساطة في الأثاث وفقر في النور والهواء، والذي يستلفت الأنظار وسط هذه الأشياء الحقيرة مغسل جميل من الفضة كان البقية الباقية لمجد قد مضى.
وكان نابوليون يقضي القسم الكبير من النهار في حمامه أو على مقعد مغطى بفراش أبيض فيضطجع عليه، وإلى جانبه كتب كثيرة وهو مرتد بذلة الصباح فوق بنطلون أبيض وقميصه مفتوح عند العنق وغطاء رأسه قبعة حمراء ذات رسوم مربعة، وإذا أراد الخروج لبس بذلة خضراء للصيد ذات أزرار ملونة، حتى إذا خلقت جدتها أبى تغييرها وفضل أن يقلب جوخها عن أن يلبس جوخا إنكليزيا.
وقد مرت الأيام الأولى في منفاه وهو ينام إلى ساعة متأخرة من النهار خلافا لعادته، ثم أخذ ينهض مبكرا نحو الخامسة فيخرج للنزهة راكبا ويعود للاستحمام، وعند الساعة الحادية عشرة يتناول غداء بسيطا مؤلفا من العدس والبيض الطازج وقليل من اللحم مع النبيذ الممزوج بالماء، ثم يلبس عند الساعة الثانية لباسه ويتعشى نحو السابعة، ولم يلبث أن غير هذا النظام إكراما لمدام مونتولون فصار الغداء الساعة الثالثة والعشاء نحو العاشرة.
وكانت شهوة الإمبراطور للأكل حسنة، ومن عاداته أن يطلب كتابا قبل نهاية الطعام، فيقرأ بصوت عال بينما يكون المارشال برتران منهمكا في أكل الملبس والحلوى، ثم يتناول شيئا من القهوة ويختلي مع بعض أصحابه للمحادثة أو لعب الشطرنج، حتى إذا دقت الساعة العاشرة أو الحادية عشرة يصرفهم جميعا ويدخل إلى غرفة النوم.
وكان يقوم الساعة الثالثة صباحا فيطلب نورا ويأخذ في المطالعة إلى الساعة السابعة ثم يعود إلى النوم، وله طريقة خصوصية في قراءة الكتب وهي تقليب الصفحات بسرعة، فيأتي على آخر الكتاب في ساعة من الزمن.
Halaman tidak diketahui