وإلى القارئ بعض التفاصيل مأخوذة عن السجلات الرسمية، كما كتبها الدكتور ماستيفيه طبيب الإمبراطور لذلك العهد، فإنها تلقي شعاعا على هذه الحوادث الغامضة:
إن عسر البول الذي أحس به الإمبراطور لم يذهب تماما إلا في اليوم الثاني بعد دخول موسكو، وقد دعاني إليه عند الصباح وأراني إناء مملوءا بولا وقال: إنه مستريح بعد هذا البول الغزير، ولكنه قلق لتراسب الموجود في الإناء إلى ثلثه تقريبا، فطمأنته بقرب انفراج الكرب، فسألني كعادته: ماذا يقال حولي؟ وكان سريره موضوعا بحيث لا يرى المدينة فأجبته أن حلقة من النار تحيط بكرملين، فقال: قد يكون من حماقة بعض الجنود الذين أشعلوا النار بالقرب من البيوت الخشبية، ثم حدق بنظره في السقف وسكت بضع دقائق، وإذا بوجهه قد تغير وبدت ملامحه في شكل هائل، فدعا خادميه رستم وكونستان وترك سريره بسرعة فحلق ذقنه بيده ولبس ثيابه وهو صامت قليل الصبر، حتى إنه رفس المملوك رستم ورماه على قفاه لأنه أخطأ فقدم حذاءه الأيسر قبل الأيمن.
وبقيت في مكاني ساعة أنتظر إشارة رأسه المعهودة لأنصرف، فدخل إليه بعضهم وذهب إلى الغرفة المجاورة.
الإمضاء
ماستيفيه عضو الجمعية الملوكية
ويؤيد هذه الشهادة شهادة أخرى كتبها الجراح إيفان، وإيفان من أصدقاء الإمبراطور الحائزين كل ثقته، حتى إنه وقع وحده عقد زواج كارولين ومورا، وكانت جوزفين تستشيره دائما قبل الذهاب للمياه المعدنية، فضلا عن ذلك فقد خدم في جيش إيطاليا خمس سنوات، ورافق نابوليون في كل حروبه، وكان عليه بعد المعركة أن يطلع الإمبراطور على عدد الجرحى والقتلى وحالة المستشفيات النقالة، وأهمية جراح الرؤساء والقواد، فكان مركزه كمركز كورفيزار، بل أسمى لحاجة الإمبراطور إليه في كل المواقع، وصحبته له كل يوم وكل ساعة، وهاك الشهادة:
الدكتور إيفان يعالج جرح نابوليون في راتيسبون.
كان الإمبراطور سريع التأثر بالعوارض الجوية، وكان من الضروري عنده أن تظل وظائف الجلد سليمة لحفظ التوازن في صحته، وإلا أصابه سعال وعسر بول، ففي 5 سبتمبر سنة 1812 هبت ريح هوجاء وانتشر ضباب كثيف وسقط مطر غزير، فظهرت فيه الأعراض بشدة اضطررت إلى تسكينها بدواء ذهبوا في استحضاره بعيدا عن المعسكر، ولم تذهب الأعراض والحمى وتهدأ حالته إلا بعد أيام، ثم يقول في مكان آخر:
أخذ نابوليون يشعر بانحراف صحته منذ السابع من شهر سبتمبر، فكانت البداية صداعا شديدا لم يمنعه مع ذلك من النهوض باكرا واعتلاء صهوة جواده قبل ساعة الهجوم أي نحو الساعة الخامسة، وكان فطوره قليلا من الخمر المعتقة وغذاؤه خبزا مبللا بالنبيذ.
وفي 8 منه قضى ليلته بين أنقاض البلدة المجاورة، وفي الغد كان في موسكو، فاحتل منزلا جديد البناء وجمع أعوانه من حوله ليلقي أوامره كعادته، وإذا بصوته قد بح فجأة وامتنع عليه الكلام والإملاء، فتناول قلما وورقة وأخذ يرسم ما يجول بخاطره من خطط وأوامر، ويدفع إلى من حوله من مساعديه وكتابه، وعلى الرغم من كثرة هؤلاء الأعوان فقد كانت المهمة شاقة؛ لأنهم كانوا يقفون حيارى عند كل سطر من خطه قبل أن يصلوا إلى حل رموزه وطلاسمه، وكان كلما انتهى من تسطير أمر يضرب بقبضة يده على الطاولة ليأخذوا ما تكدس حوله من هذه الأوراق.
Halaman tidak diketahui