لم تشف منك العين أول نظرة
لولا المهابة راجعت تزداد
فلئن فخرت بما بلغت لقل لي
ألا يكون من النجوم عتاد
مهما امتدحت سواك قبل فإنما
مدحي إلى مدحي لك استطراد
فاهتز المعتضد للمديح وزاد في الثناء عليه والترحيب به، وخلع عليه منصب الوزارة، وأمر ابن جبلة أن يهيء له دارا تليق بمنزلته، وأن يعد له بها من الخدم والعبيد ما يوائم جلال منصبه.
وعاش ابن زيدون في كنف المعتضد عظيم الجاه مسموع الكلمة نافذ الرأي، وأخذ إقبال الأمير عليه ورعاؤه له يزداد مع الأيام شيئا فشيئا كلما ظهر نبوغه في حل المعضلات، وبدا مضاؤه في تصريف الأمور.
وتحدثت حسان المدينة بقدوم ابن زيدون، وودت كل ذات وجه صبيح أن تسعد بأبيات من غزله تباهي بها صويحباتها، وتدل بها على خطابها، فقد سبقه إلى إشبيلية شعره في ولادة، فرددته جنباتها، وأنشده المنشدون، وغنى به المغنون، ولكن شاعرنا جاوز الآن مرحلة الشباب، وعرى أفراس الصبا ورواحله، ولم يعد بقلبه متسع لنزيل جديد بعد أن شغله حب ولادة ولم يترك في إحدى زواياه مكانا خاليا. لم ينس ابن زيدون عهد ولادة ولم يزده تنائي الديار إلا شغفا بها، وهياما بذكراها وكان إذا طواه الليل وقف بنافذة داره، ولمح البارق المؤتلق في شمال الأفق وتلقى الريح السارية من نحو قرطبة بليلة شذية، فهاجت بلابله، وثارت شاعريته فقال:
أضحى التنائي بديلا من تدانينا
Halaman tidak diketahui