Hasyiyah 'Ala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Genre-genre
والاهتمام به والدلالة على الحصر، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه نعبدك ولا نعبد غيرك. وتقديم ما هو مقدم في الوجود والتنبيه على أن العابد ينبغي أن يكون نظره إلى المعبود أولا وبالذات ومنه إلى العبادة، لا من حيث إنها عبادة صدرت عنه بل من حيث إنها نسبة شريفة إليه ووصلة بينه وبين الحق. فإن العارف إنما يحق وصوله إذا استغرق في ملاحظة جناب القدس وغاب عما عداه حتى أنه لا يلاحظ نفسه ولا حالا من أحوالها إلا من حيث إنها ملاحظة له ومنتسبة إليه. ولذلك فضل ما حكى الله عن حبيبه حيث قال: لا تحزن إن الله معنا [التوبة: 40] على ما حكاه عن كليمه حيث قال: إن معي ربي سيهدين [الشعراء: 62]. وكرر الضمير للتنصيص على أنه المستعان طريق التعظيم تقديمه في الذكر، والثاني أن المطلب الأعلى والأعم الأقوى بالنسبة إلى القارىء إنما هو مولاه المعبود بالحق الموصوف بجميع صفات الجلال والجمال المستجمع لجميع وجوه الفضل والإفضال فكان لذلك نصب عينه وأهم عنده من جميع ما سواه بحيث لا يسبق إلى لسانه إلا ذكره ولا إلى قلبه إلا محبته ولا إلى جوارحه إلا حضوره والاستكانة إليه فلم يتمالك لذلك إلا أن يقدم اللفظ الدال عليه على عامله، والثالث الدلالة على الحصر فإن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والتخصيص كما تقرر في علم البيان، والرابع أنه قدم ليوافق الترتب في الذكر للترتب في الوجود لأنه تعالى مبدأ الكائنات بأسرها فإنه كان ولا شيء معه، والخامس التنبيه والإرشاد للعابد إلى أنه ينبغي أن يكون نظره إلى معبوده الحقيقي أولا وبالذات ولا ينظر إلى العبادة إلا من حيث إنها نسبة شريفة إليه تعالى ووصلة بينه وبين محبوبه وهذا الوجه إنما يكون وجها لتقديم مفعول نعبد عليه ويفهم منه تقديمه على نستعين.
قوله: (إنما يحق) أي إنما يثبت ويتحقق إذا استغرق في ملاحظة جناب القدس وغاب عما عداه حتى بلغ في غيبته عما سواه إلى حيث لو لاحظ نفسه التي هي أقرب الأشياء إليه أو حالا من أحوال نفسه لا تقع تلك الملاحظة إلا من حيث إنها ملاحظة لجناب القدس ومنتسبة إليه. قوله: (ولذلك) أي ولابتناء الوصول على الاستغراق في ملاحظة جناب القدس والغيبة عما عداه فضل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا [التوبة: 40] على قول موسى عليه الصلاة والسلام: إن معي ربي [الشعراء: 62] من حيث إن الحبيب عليه الصلاة والسلام قدم ذكر مولاه على ذكر نفسه والكليم على خلاف ذلك في أول كلامه لكن وافقه في آخره حيث قال: ربيب تقديم الرب على ياء المتكلم. قوله: (وكرر الضمير) أي لم يقل إياك نعبد ونستعين للتنصيص على تخصيصه تعالى بالاستعانة كما نص على تخصيصه بالعبادة فإن العطف وإن كان مفيدا له إلا أنه ليس كالتكرير في كونه تنصيصا لاحتمال أن يكون الحصر
Halaman 88