تعالى: يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله [الانفطار: 19] وقرأ الباقون ملك وهو المختار لأنه قراءة أهل الحرمين ولقوله: لمن الملك اليوم [غافر: 16] ولما فيه من التعظيم. والمالك هو المتصرف في الأعيان المملوكة كيف شاء من الملك، والملك هو المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين من الملك. وقرىء ملك بالتخفيف، وملك بلفظ الفعل، ومالكا بالنصب على المدح أو الحال، ومالك بالرفع منونا ومضافا شيء كثير خطير، فظهر أن الملك المتصرف بالأمر أعز وأشرف من المالك المتصرف في نحو الدواب والعبيد. وقد رجح كل فريق إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحا ظاهرا يسقط القراءة الأخرى وهذا غير مرضي لأن كلتيهما متواترة، ويدل على ذلك ما روي عن ثعلب أنه قال: إذا اختلف الإعراب في القرآن على السبعة لم أفضل إعرابا على إعراب في القرآن بخلاف ما إذا وقع الاختلاف في كلام الناس فإني فضلت الأقوى. قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: قد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الترجيح بين هاتين القراءتين وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين وصحة اتصاف الرب بهما حتى أني أصلي بهذه في ركعة وبهذه في ركعة أخرى. فإن قيل: ما الحكمة في أن لفظ مالك في هذه السورة قرىء بالألف وبدونهما ولم يقرأ ك ملك الناس في سورة الناس؟ أجيب عنه بأن (رب الناس) في تلك السورة أفاد كونه مالكا لهم فلو قرىء بعده مالك الناس للزم التكرار فقرىء ملك الناس ليفيد التخصيص بعد التعميم، وإنه تعالى كما أنه مالك الناس فهو ملكهم أيضا فإن قلت: فعلى هذا يلزم التكرار في هذه السورة على قراءة مالك يوم الدين بعد قوله:
رب العالمين لأن رب العالمين يكون مالك يوم الدين قطعا فذكره بعده تكرار، أجيب عنه بأن المراد بالعالمين الأشياء الموجودة في الدنيا ولا تكرار ولو سلم أن رب العالمين بمعنى مالك الأشياء كلها مطلقا أي في الدنيا والعقبى فنقول إن مثله في التنزيل كثير يذكر العام ثم الخاص تفخيما للخاص. قوله: (وقرىء ملك) بالتخفيف أي بإسكان اللام تخفيفا كما في كتف وعضد. وقرىء ملك بلفظ الماضي ونصب اليوم وهي اختيار أبي حنيفة رحمه الله وهي قراءة حسنة لاحتمالها معنى القراءتين لجواز كونه من الملك والملك، فإن المالك مأخوذ من ملكه يملكه والملك مأخوذ من ملك اللازم بسبب نقله إلى فعل بالضم. والجملة الفعلية في محل الجر صفة لموصوف محذوف كما في قوله: أنا ابن جلا. والتقدير إله ملك يوم الدين وإله المقدر نكرة موصوفة فلذلك جاز إبداله من المعرفة وهي لفظ الجلالة. وملك إن قرىء منونا سواء كان مرفوعا أو منصوبا بألف أو بغير ألف يكون يوم الدين منصوبا على الظرفية لإله وهو ظاهر لأن الصفة المشبهة لا تعمل النصب أبدا لأنها إنما تبنى من الفعل اللازم في أصل وضعه أو بنقله إلى باب فعل واسم الفاعل إنما يعمل عمل فعله بشرط كونه بمعنى
Halaman 72