الكبير من الجواهر والأعراض يعلم بها الصانع كما يعلم بما أبدعه في العالم، ولذلك سوى بين النظر فيهما. وقال تعالى: وفي أنفسكم أفلا تبصرون [الذاريات: 21] وقرىء رب العالمين بالنصب على المدح أو النداء أو بالفعل الذي دل عليه الحمد، وفيه دليل على أن الممكنات كما هي مفتقرة إلى المحدث حال حدوثها فهي مفتقرة إلى المبقي حال بقائها.
الرحمن الرحيم (3) كرره للتعليل على ما سنذكره.
قوله: (يعلم بها) أي بتلك النظائر صفة لقوله: «نظائر ما في العالم». قوله: (ولذلك) أي ولاشتماله على النظائر سوى بين النظر فيهما. الظاهر أن يقال بين النظرين فيهما لاقتضاء كلمة بين التعدد وكأنه اكتفى بالتعدد المعنوي اللازم من قوله: «فيهما» ضرورة أن النظر في أحدهما غير النظر في الآخر قال تعالى: وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون [الذاريات: 20، 21] وقال تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق [فصلت: 53] كما أن في الأرض دلائل دالة على كمال علمه وقدرته وحكمته من كونها على هيئة الدحو واستقرارها بالجبال الراسيات واختلاف أجزائها بالخواص والكيفيات واشتمالها على أنواع المعادن والحيوان والنبات وغير ذلك من الكمالات، فكذلك في أنفس الإنسان دلائل من كونهم على هيئات لطيفة ومناظر بهية وتمكنهم من الأفعال الغريبة والصنائع العجيبة والكمالات المتنوعة بالقوى المختلفة والحواس المتفرقة. قوله:
(وقرىء رب العالمين بالنصب على المدح) وهو النصب على القطع من التبعية بإضمار فعل لائق وعلى أنه منادى مضاف وهو ضعف الوجوه، لأنه يؤدي إلى الفصل بين الصفة والموصوف، أو على أنه مفعول به لفعل مقدر يدل على لفظ الحمد تقديره نحمد رب العالمين. وقرأ الجمهور بالجر على أنه نعت لقوله: لله أو على أنه بدل منه. قوله:
(وفيه) أي وفي توصيفه تعالى بقوله تعالى: رب العالمين دليل على أن الممكنات كما هي مفتقرة إلى المحدث حال حدوثها. وجه دلالته على ذلك أن الرب وإن كان بمعنى المالك إلا أن المالك إنما يقال له رب لحفظه مملوكه وتربيته إياه وحفظ المملوك وتربيته إنما يكون بعد زمان حدوثه وهو زمان إبقائه وإبقاء الوجوه، والحاصل من زمان الحدوث وفيما بعده من الأزمنة نوع من تربية الممكنات فلما كان تعالى ربا للعالمين في زمان بقائهم لزم أن يكون مبقيا لهم أيضا لما مر من أن الإبقاء أيضا من وجوه التربية.
قوله: (كرره للتعليل) أي كرر نظم الرحمن الرحيم تعليلا لكونه تعالى مستحقا للحمد كما أن الواقع في التسمية إنما وقع تعليلا للاستعانة باسمه في كون قراءته معتدا بها شرعا
Halaman 70