خير إلا وهو موليه بوسط أو بغير وسط. كما قال: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل: 53] وفيه إشعار بأنه تعالى حي قادر مريد عالم إذ الحمد لا يستحقه إلا من كان هذا شأنه . وقرىء الحمد لله باتباع الدال اللام وبالعكس تنزيلا لهما من حيث إنهما يستعملان معا منزلة كلمة واحدة.
رب العالمين (2) الرب في الأصل مصدر بمعنى التربية، وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا ثم وصنف به للمبالغة كالصوم والعدل. وقيل: هو نعت من ربه يربه على تعريف نفس حقيقة المسمى والإشارة إليها بخلاف دلالته على الاستغراق فإنه لا يكفي فيها مجرد العلم بالوضع بل لا بد معه من قرينة خارجة هي دلالة الحال والمقال فلذلك علل إفادتها للاستغراق بدلالة الحال بأن قال الحمد لا يكون إلا بمقابلة ما هو جميل وخير وكل ذلك لا يكون إلا من الله تعالى بوسط أو بغير وسط فكل فرد من أفراد الحمد لا يكون إلا لله تعالى، فإن قيل: إذا كان ذلك بوسط فذلك الوسط يستحق أيضا الحمد فلا يكون له تعالى، أجيب بأن قول المصنف في «الحقيقة» إشارة إلى رفعه فإن ذلك الوسط وإن استحق الحمد بوصول النعمة إلى المنعم عليه من يده إلا أن ذلك الحمد في الحقيقة راجع إليه تعالى إذ هو الذي أقدر ذلك الوسط ومكنه على توسطه في ذلك. قوله: (وفيه أشعار) أي في قوله تعالى: الحمد لله إشعار بأنه تعالى حي قادر مريد عالم إذ الحمد لا يستحقه إلا من هذا شأنه وذلك لأن الحمد لا يستحقه إلا فاعل مختار صدر منه فعل جميل باختياره، والفعل الاختياري لا يصدر إلا ممن اتصف بتلك الصفات. وقرأ الحسن البصري الحمد لله بكسر الدال اتباعا للام، وقرأ إبراهيم بن أبي عبد الله الله بضم اللام الجارة اتباعا للدال المرفوعة، وإنما جاز ذلك والحال أن الاتباع لا يكون إلا في كلمة واحدة تنزيلا لهما منزلة كلمة واحدة من حيث إنهما مستعملان معا.
قوله: (الرب في الأصل مصدر بمعنى التربية) أي مترادفان قال الجوهري: رب فلان ولده يربه ربا ورببه تربيبا بمعنى رباه تربية المربوب والمربي. والمصدر وإن كان اسم معنى حقه أن لا يطلق على الذات إلا أنه أطلق ههنا على الذات بقصد المبالغة في اتصافه به مثل رجل صوم ورجل عدل أي صائم وعادل. قوله: (وقيل: هو نعت) أي قيل إنه صفة مشبهة من فعل متعد أخذ منه بعد جعله لازما بنقله إلى فعل بضم العين إلحاقا له بالغرائز التي منها تؤخذ أمثال هذه الصفة، ولما كان مبني الصفة على فعل من باب فعل يفعل بفتح العين في الماضي وضمها في المضارع نادرا غريبا استشهد له فقال: «كقولك نم ينم فهو نم». وروي نمام وقتات ونم الحديث وفيه نشره ولا بد في مجيء الصفة منه على نم من نقله إلى فعله
Halaman 66