Hasyiyah 'Ala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Genre-genre
المسلمين عليهم واستدراجهم بالإمهال والزيادة في النعمة على التمادي في الطغيان وأما في الآخرة فبأن يفتح لهم وهم في النار بابا إلى الجنة فيسرعون نحوه فإذا صاروا إليه سد عليهم الباب، وذلك قوله تعالى: فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون [المطففين: 34]. وإنما استؤنف به ولم يعطف ليدل على أن الله تعالى تولى مجازاتهم صنع الله تعالى معهم في الدنيا إذ أمر بإجراء أحكام المسلمين من التوارث والتناكح واستدراجهم بالإمهال والزيادة في نعمة الله على التمادي في الطغيان أي مع بلوغهم الغاية في الطغيان. فإن المدى هو الغاية فالتمادي هو البلوغ إليها، وكلمة «على» متعلقة بقوله:
«واستدراجهم» بما ذكر على بلوغهم إلى غاية العتو والطغيان، وكونهم عنده تعالى من أخبث الكفار وجزاؤهم عنده أسفل دركات النار بصورة صنيع الهازىء مع المهزوء به. فاستعير اسم المشبه به للمشبه ثم اشتق منه لفظ «يستهزىء»، وكذا شبه صورة معاملة الله تعالى معهم في الآخرة بصورة معاملة الهازىء مع المهزوء به، وذلك لما روي عن عطاء قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: الله يستهزئ بهم هو أن الله تعالى إذا قسم النور يوم القيامة للجواز على الصراط أعطى المنافقين مع المؤمنين نورا حتى إذا ساروا على الصراط أطفأ نورهم فذلك قوله تعالى: الله يستهزئ بهم حيث يعطيهم ما لا يتم انتفاعهم به بل يكون ابتداؤه مطعما وانتهاؤه موتا. وروي عنه أيضا أنه قال: أن يطلع الله المؤمنين وهم في الجنة على المؤمنين المنافقين وهم في النار فيقول المؤمنون لهم: أتحبون أن تدخلوا الجنة فيقولون: نعم فيفتح لهم باب من الجنة ويقال لهم: ادخلوا فيسيرون ويتقلبون في النار فإذا انتهوا إلى الباب سد عنهم وردوا إلى النار فيضحك المؤمنون منهم، فذلك قوله تعالى:
فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون [المطففين: 34، 35] الآية. وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤمر يوم القيامة بناس من النار إلى الجنة حتى إذا دنوا منها واستنشقوا رائحتها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله تعالى لأهلها فيها نودوا أن اصرفوهم لا نصيب لهم فيها قال: فيرجعون بحسرة ما رجع بمثلها الأولون فيقولون: ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك وما أعددت فيها لأوليائك كان أهون علينا. قال: ذلك أردت بكم كنتم إذا خلوتم بي بارزتموني بالعظائم وإذا لقيتم الناس لقيتموهم محتسبين تراؤون الناس بخلاف ما في قلوبكم هبتم الناس ولم تهابوني وأجللتم الناس ولم تجلوني وتركتم للناس ولم تتركوا لي فاليوم أذيقكم أليم العذاب مع ما حرمتكم من الثواب». قوله: (وإنما استؤنف به) يعني أن قوله تعالى: يستهزئ بهم لم يعطف على ما قبله بل أورد على أنه كلام ابتدائي مستأنف لنكتتين: أشر إلى الأولى بقوله: «ليدل» الخ وإلى الثانية بقوله: «وإن استهزاءهم لا يؤبه به» أي لا يبالي به. واعلم أن ههنا أمرين:
Halaman 298