Hasyiyah 'Ala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Genre-genre
ذم أي عداك ومضى عنك، ومنه القرون الخالية أو من خلوت به إذا سخرت منه وعدي بإلى لتضمين معنى الإنهاء والمراد بشياطينهم الذين ماثلوا الشيطان في تمردهم وهم المظهرون كفرهم وإضافتهم إليهم للمشاركة في الكفر، أو كبار المنافقين والقائلون صغارهم. وجعل سيبويه نونه تارة أصلية على أنه من شطن إذا بعد فإنه بعيد عن الصلاح ويشهد له قولهم: تشيطن، وأخرى زائدة على أنه من شاط إذا بطل ومن أسمائه الباطل.
قالوا إنا معكم أي في الدين والاعتقاد خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية والشياطين بالجملة الاسمية المؤكدة ب «إن» لأنهم قصدوا بالأولى دعوى إحداث الإيمان وبالثانية تحقيق ثباتهم على ما كانوا عليه، ولأنه لم يكن لهم باعث من عقيدة وصدق إليه إذا اجتمعت معه في خلوة، قال تعالى: وإذا خلوا إلى شياطينهم ويقال: «إلى» بمعنى «مع» وقولهم: افعل كذا وخلاك ذم أي عداك أعذرت وسقط عنك الذم. إلى هنا كلام الجوهري. فقول المصنف «أي عداك» بمعنى جاوزك الذم وذهب عنك. فعلى هذا يكون معنى الآية أنهم إذا جاوزوا المؤمنين وذهبوا عنهم إلى شياطينهم، ومنه القرون الخالية أي الماضية الذاهبة عن صحراء الوجود إلى ظلمة العدم. قوله: (وعدي بإلى) يعني أن «خلا» في الآية إذا كان بمعنى السخرية يحتاج في توجيه استعماله مع «إلى» لتضمين معنى الإنهاء، لأن السخرية لا تتعدى ب «إلى» فمعنى الآية حينئذ وإذا سخروا بالمؤمنين منتهين بسخريتهم إلى شياطينهم، كما في قولهم: أحمد إليك فلانا أي أحمده منهيا إليك حمده. قوله: (ماثلوا) أي شابهوا الشياطين في العتو والطغيان فيكون لفظ الشياطين استعارة تصريحية، سواء أريد به المجاهرون بالكفر أو كبار المنافقين الغالين في النفاق حيث شبه كل واحد منهما بالشياطين الماردين فاستعير لفظ المشبه به للمشبه، وقرينة الاستعارة إضافة الشياطين إليهم. واختلف أهل اللغة في اشتقاق لفظ الشيطان، فقال جمهورهم: هو مشتق من شطن يشطن أي بعد لأنه بعيد من رحمة الله تعالى لبعده عن طاعته، ومنه: بئر شطون أي بعيد القعر فوزنه على هذا فيعال. وقيل: هو مشتق من شاط يشيط أي هلك واحترق وبطل وجوده. وفي الصحاح:
شاط الرجل يشيط أي هلك وشاط فلان أي ذهب دمه هدرا. ولا شك أن هذا المعنى موجود فيه فلذلك قالوا إنه مشتق من هذه المادة فوزنه على هذا فعلان. قوله: (ومن أسمائه) أي ومن أسماء الشيطان الباطل أورده تأييدا لكونه مشتقا من شاط بمعنى بطل.
قوله: (خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية) الدالة على الحدوث وخاطبوا شياطينهم بالجملة الإسمية الدالة على الثبات، مع أن الظاهر أن المؤمنين منكرون أو مترددون في
Halaman 294