Hasyiyah 'Ala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Genre-genre
الثاني. واختصاص الإيمان بالله وباليوم الآخر بالذكر تخصيص لما هو المقصود الأعظم من الإيمان وادعاء بأنهم احتازوا الإيمان من جانبيه وأحاطوا بقطريه وإيذان بأنهم منافقون فيما يظنون أنهم مخلصون فيه. فكيف بما يقصدون به النفاق؟ لأن القوم كانوا يهودا وكانوا يؤمنون بالله وباليوم الآخر إيمانا كلا إيمان لاعتقادهم التشبيه واتخاذ الولد وإن الجنة لا المندرجين وهو معنى التقسيم. فإن قيل: على ما ذكرت يكون المنافق المذكور ههنا هو المنافق المصر على نفاقه فلا تكون القسمة حاصرة، قلنا: جوابه ما مر من أن خروجه لا ينافي الانحصار بناء على أن المقصود تقسيم من كان مصمما في باب الديانة. قوله:
(واختصاص الإيمان بالله وباليوم الآخر) أي كونهما مختصين بالذكر وإبهام من خصصهما، إشارة إلى أنه كما يجوز أن يكون التخصيص فعل المنافقين يجوز أن يكون فعل الله تعالى بأن يكون المنافقون ادعوا الإيمان بجميع ما يجب الإيمان به، إلا أنه تعالى حكى عنهم ادعاء الإيمان بهما للوجهين الأخيرين من الوجوه الأربعة المذكورة. الوجهان الأولان مبنيان على كون التخصيص فعل المنافقين، والوجهان الأخيران مبنيان على كونه فعل الله تعالى، أو نقول الأولان متعلقان بالمقالة المحكية، والأخيران بحكايتها. ومقصود المصنف بهذا القول الإشارة إلى جواب ما يقال: كيف يصح الاقتصار على ذكر الإيمان بالله وباليوم الآخر في مقام دعوى الإيمان؟ والحال أن الإيمان لا يتحقق بمجرد الإيمان بهما بل يجب الإيمان بجميع ما يجب الإيمان به. الوجه الأول من وجوه الجواب: أنهم إنما خصصوا الإيمان بالله وبيوم جزاء الأعمال والعقائد من حيث إن الإيمان بهما معظم أجزاء الإيمان والإيمان بسائرها يتفرع على الإيمان بهما، فكأنهم عبروا عن الإيمان بأعظم أجزائه. والثاني أنهم إنما خصصوهما بالذكر ادعاء منهم بأنهم أحاطوا بالإيمان بجميع أجزائه لأن المبدأ أحد طرفي ما يجب الإيمان به والمعاد طرفه الآخر ومن آمن بهما فقد احتاز الإيمان بجميع أجزائه، فقوله:
«وادعاء» عطف على قوله: «تخصيص» وهو خبر لقوله: «واختصاص الإيمان»، وقوله:
«احتازوا» من الحوز وهو الجمع وكل من ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه وقوله: «بقطريه» أي بطرفيه. والثالث أنه تعالى خصصهما بالذكر حيث حكى عنهم ادعاء الإيمان إيدانا بأن ألسنتهم لا تواطىء قلوبهم في كل ما هو من باب الاعتقاد حتى فيما يظنون أنهم مخلصون فيه. واليهود جمع يهودي فإن الفرق بين المفرد والجمع كما يكون بالتاء في نحو «تمرة» و «تمر» يكون أيضا بالياء فيقال مثلا: يهودي وزنجي ورومي للواحد ويهود وزنج وروم للجمع. والقوم وإن كانوا يقرون بالله تعالى بألسنتهم ويظنون أنهم مخلصون فيه لكن هذا الإقرار لا يواطىء قلوبهم لأن ما اعتقدوه ليس ما أقروا به من حيث إنهم اعتقدوا في حقه تعالى الشبيه حيث قالوا لموسى عليه الصلاة والسلام: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة
Halaman 258