Hasyiyah 'Ala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Genre-genre
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة تعليل للحكم السابق وبيان ما يقتضيه والختم الكتم سمي به الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه لأنه كتم له والبلوغ آخره نظرا إلى أنه آخر فعل يفعل في إحرازه. والغشاوة فعالة من ليس من قبيل الإخبار بالغيب بل هو إخبار عن الشيء بما تصير إليه عاقبة أمره لوجود ما يوجبه ويقتضيه.
قوله: (تعليل للحكم السابق وبيان ما يقتضيه) إشارة إلى أنه استئناف لبيان سبب الحكم السابق وهو الحكم بعدم كون الإنذار نافعا لهم حيث لا يؤمنون على كل واحد من التقديرين، فإن الحكم باستواء وجود الشيء وعدمه معناه الحكم بعدم كون ذلك الشيء نافعا. ثم بين معنى عدم نفع الإنذار لهم بقوله: لا يؤمنون فتوجه للسائل أن يسأل ويقول: ما السبب في عدم نفع الإنذار لهم وفي أنهم لا يؤمنون؟ فنزل هذا السؤال المتوهم منزلة المتحقق فأجيب بأن الله عز وجل «ختم على قلوبهم» فهو جواب عن السؤال عن سبب الحكم مطلقا على منوال قوله:
قال لي كيف أنت قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل
فلذلك لم يتخلل العاطف بين هذه الجملة وما قبلها لأن كمال الاتصال بين الجملتين مانع من العطف. وقد بين بهذه الجملة سبب الحكم السابق ومقتضيه وكان ذلك السبب مسببا عن سبب آخر كما أشار إليه بقوله الآتي: «بسبب غيهم وانهماكهم في التقليد» الخ.
قوله: (والختم الكتم) جعل الزمخشري إياهما أخوين في الاشتقاق الأكبر من حيث اشتراكهما في العين واللام وتناسبهما في أصل المعنى، لأن في الختم على الشيء وهو ضرب الخاتم عليه معنى الكتم والإخفاء وهو كلام صحيح. وقول المصنف: «الختم الكتم» وإن دل بظاهره على دعوى الترادف بينهما لكنه غير منقول عن أئمة اللغة فإن استعماله في معنى الكتم غير شائع بينهم، فيحتمل أن يكون مراده أن الختم مستلزم لمعنى الكتم وهو الغرض الحامل عليه والباعث الداعي إليه إلا أنه عبر بما يدل على اتحاد مفهومهما مبالغة في الاستلزام والتناسب، كأنه قال: الختم قريب من الكتم في المعنى وملزوم له. لأن الأصل في اللغة ضرب الخاتم على الشيء طلبا لكتمه ومنعه عن تعرض الغير له، ثم نقل إلى الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه لأنه كتم له من وجه، ونقل أيضا إلى البلوغ آخر الشيء لأن الختم بمعنى ضرب الخاتم على الشيء الآخر فعل يفعل لأجل كتم ذلك الشيء. قوله: (والبلوغ) مرفوع معطوف على الاستيثاق أي ويسمى به البلوغ آخر الشيء. ومعنى الاستيثاق من الشيء الصيرورة ذا وثوق وأمن منه، فإن بناء استفعل قد يكون للصيرورة والتحول نحو استحجر الطين أي صار
Halaman 236