213

Hasyiyah 'Ala Tafsir Baydawi

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

Genre-genre

التصديق والتكذيب معا فيلزم أن لا يكون مؤمنا ولا كافرا، وهو قول بمنزلة بين المنزلتين وأهل السنة لا يقولون بها. والصواب أن يقال: إن التقابل بين الإيمان والكفر هو تقابل العدم والملكة، فإن الإيمان كما مر هو تصديقه عليه الصلاة والسلام في جميع ما علم مجيئه به بالضرورة، والكفر عدم الإيمان عما من شأنه أن يكون مؤمنا والكافر بهذا المعنى يتناول الخالي عن التصديق والتكذيب كما يتناول المكذب. وتقييد العلم بما جاء به عليه الصلاة والسلام بكونه ضروريا للاحتراز عما علم بالاستدلال أو رواية الآحاد كونه مما جاء به عليه الصلاة والسلام. فإن منكر الأحكام الاجتهادية وما ثبت برواية الآحاد لا يكون كافرا وإنما يكفر من أنكر شيئا مما علم بالتواتر أنه عليه الصلاة والسلام جاء به وأنه من دينه. فمن أنكر وجود الصانع أو كونه عالما قادرا مختارا أو أنكر نبوته عليه الصلاة والسلام أو صحة القرآن أو الشرائع التي علمنا بالضرورة كونها من دينه عليه الصلاة والسلام، كوجوب الصلاة والصوم والزكاة والحج وحرمة الزنى والخمر، فإنه كافر لأنه ترك تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما علم بالضرورة أنه من دينه. وأما الذي يعرف بالدليل أنه من دينه مثل كونه تعالى عالما بالعلم أو بذاته مرئيا أو غير مرئي وأنه خالق أفعال العباد أم لا فلم ينقل إلينا بالتواتر المفيد للقطع بمجيئه عليه الصلاة والسلام بأحد القولين دون الآخر، بل إنما يعلم صحة أحد القولين وبطلان الثاني بالاستدلال فلا جرم لم يكن إنكاره والإقرار به داخلا في ماهية الإيمان ولا موجبا للكفر. ولأجل هذه القاعدة لا يكفر أحد من هذه الأمة ولا يكفر أرباب التأويل.

قوله: (وإنما عد لبس الغيار) وهو بكسر الغين علامة أهل الذمة. وقيل: هو قلنسوة طويلة كانت تلبس في ابتداء الإسلام وهي الآن من شعار أهل الكفر مختصة بهم كالزنار المختص بالنصارى. وهذا القول إشارة إلى سؤال مقدر وجواب له تقرير السؤال إن من ارتكب هذه الأمور كان كافرا بالإجماع وإن صدق النبي صلى الله عليه وسلم في جميع ما علم بالضرورة مجيئه به فبطل به انعكاس التعريف حيث لم يصدق تعريف الكفر على ما هو كفر بالإجماع، وقد وجب كون التعريف مطردا منعكسا. وتقرير الجواب أن تلك الأمور في أنفسها ليست بكفر بل هي من أمارات الكفر وانتفاء التصديق لأن من صدقه عليه الصلاة والسلام لا يجترىء عليه ظاهرا.

قال الإمام في جوابه: قلنا: هذه الأشياء في الحقيقة ليست كفرا إلا أن التصديق وعدمه أمر باطني لا إطلاع للخلق عليه ومن عادة الشرع أن لا يبني الحكم في أمثال هذه الأمور على نفس المعنى لأنه لا سبيل إلى الاطلاع عليه بل يجعل لها معرفات وعلامات ظاهرة ويجعلها مدار الأحكام الشرعية. والغيار وشد الزنار من هذا الباب فإن الظاهر أن من يصدق الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي بهذه الأفعال فمن أتى بها دل ذلك منه على أنه ليس ممن صدقه وآمن

Halaman 219