Huraian Komen Sunan Abi Daud
حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية)
Penerbit
دار الكتب العلمية
Nombor Edisi
الثانية
Tahun Penerbitan
1415 - 1995
Lokasi Penerbit
بيروت
Genre-genre
فإنهم ينهون عن البول في هذه المياه وإن كان مجرد البول لا ينجسها سدا للذريعة
فإنه إذا مكن الناس من البول في هذه المياه وإن كانت كبيرة عظيمة لم تلبث أن تتغير وتفسد على الناس كما رأينا من تغير الأنهار الجارية بكثرة الأبوال
وهذا كما نهى عن إفساد ظلالهم عليهم بالتخلي فيها وإفساد طرقاتهم بذلك
فالتعليل بهذا أقرب إلى ظاهر لفظه ومقصوده وحكمته بنهيه ومراعاته مصالح العباد وحمايتهم مما يفسد عليهم ما يحتاجون إليه من مواردهم وطرقاتهم وظلالهم كما نهى عن إفساد ما يحتاج إليه الجن من طعامهم وعلف دوابهم
فهذه علة معقولة تشهد لها العقول والفطر ويدل عليها تصرف الشرع في موارده ومصادره ويقبلها كل عقل سليم ويشهد لها بالصحة
وأما تعليل ذلك بمائة وثمانية أرطال بالدمشقي أو بما يتحرك أو لا يتحرك أو بعشرين ذراعا مكسرة أو بما لا يمكن نزحه فأقوال كل منها بكل معارض وكل بكل مناقض لا يشم منها رائحة الحكمة ولا يشام منها بوارق المصلحة ولا تعطل بها المفسدة المخوفة
فإن الرجل إذا علم أن النهي إنما تناول هذا المقدار من الماء لم يبق عنده وازع ولا زاجر عن البول فيما هو أكثر منه وهذا يرجع على مقصود صاحب الشرع بالإبطال
وكل شرط أو علة أو ضابط يرجع على مقصود الشارع بالإبطال كان هو الباطل المحال
ومما يدل على هذا أن النبي ذكر في النهي وصفا يدل على أنه هو المعتبر في النهي وهو كون الماء دائما لا يجري ولم يقتصر على قوله الدائم حتى نبه على العلة بقوله لا يجري فتقف النجاسة فيه فلا يذهب بها
ومعلوم أن هذه العلة موجودة في القلتين وفيما زاد عليهما
والعجب من مناقضة المحددين بالقلتين لهذا المعنى حيث اعتبروا القلتين حتى في الجاري وقالوا إن كانت الجرية قلتين فصاعدا لم يتأثر بالنجاسة وإن كانت دون القلتين تأثرت وألغوا كون الماء جاريا أو واقفا وهو الوصف الذي اعتبره الشارع
واعتبروا في الجاري والواقف القلتين
والشارع لم يعتبره بل اعتبر الوقوف والجريان
فإن قيل فإذا لم تخصصوا الحديث ولم تقيدوه بماء دون ماء لزمكم المحال وهو أن ينهى عن البول في البحر لأنه دائم لا يجري
قيل ذكره الماء الدائم الذي لا يجري تنبيه على أن حكمة النهي إنما هي ما يخشى من إفساد مياه الناس عليهم وأن النهي إنما تعلق بالمياه الدائمة التي من شأنها أن تفسدها الأبوال
فأما الأنهار العظام والبحار فلم يدل نهي النبي عليها بوجه بل لما دل كلامه بمفهومه على جواز البول في الأنهار العظام كالنيل والفرات فجواز البول في البحار أولى وأحرى ولو قدر أن هذا تخصيص لعموم كلامه فلا يستريب عاقل أنه أولى من تخصيصه بالقلتين
Halaman 81