Hasyiyah 'Ala Syarh Jam' Al-Jawami'
حاشية شيخ الإسلام زكريا الأنصاري على شرح جمع الجوامع
Genre-genre
قوله: «فالنهي في الأمكنة ليس لنفسها بخلاف الأزمنة» يعني ليس لنفس الصلاة، ولا للازمها، بخلاف في الأزمنة، ولا يشكل ذلك بما قدمه من أن النهي في زمني الطلوع والغروب، لموافقة عباد الشمس في سجودهم، لأن موافقتهم فيه هي إيقاع الصلاة فيه بعينه أو لازمة له، فالنهي عنها نهي عن إيقاعها فيه بعينه أو يستلزمه فمتعلق النهي خاص بخلاف متعلقه في النهي عن إيقاعها في الحمام مثلا، وهو التعرض لوسوسة الشياطين من حيث إنها تشغل القلب، وتخل بالخشوع.
المحشي: فإنه عام خارج كمتعلق النهي عن إيقاعها في مغصوب وهو شغل ملك الغير عدوانا كما ذكره بعد.
حكم الصلاة في المغصوب
صاحب المتن: أما الواحد بالشخص له جهتان، كالصلاة في المغصوب.
الشارح: «أما الواحد بالشخص له جهتان» لا لزوم بينهما، «كالصلاة في» المكان «المغصوب»، فإنها صلاة وغصب، أي شغل ملك الغير عدوانا، وكل منهما يوجد بدون الآخر.
المحشي: قوله: «أما الواحد بالشخص » هو ما يمنع تصوره من حمله على كثيرين كالصلاة في مغصوب أما الواحد بالجنس وهو بخلافه كالصلاة، فينظر إلى أفراده الشخصية لا إلى جهاته. فيكون مأمورا به بالنظر لفرد، منهيا عنه بالنظر لآخر، كالسجود، يجوز منه فرد كالسجود لله تعالى، ويحرم منه آخر كالسجود لغيره. وقوله: «بالشخص» يوهم أن ما قبله من المكروه ليس كذلك، وليس مرادا كما علم مما قدمته، فلو تركه، أو ذكره قبل لسلم من ذلك.
قوله: «له جهتان لا لزوم بينهما» بين به محل النزاع، كما أشار إليه المصنف بقوله: «كالصلاة في المغصوب» وخرج به ما مر أول المسألة مما له جهة واحدة وهو ظاهر، أو جهتان بينهما لزوم كصوم يوم النحر، فيمتنع في كل منهما كونه مأمورا به منهيا عنه، إلا عند بعض من يجوز التكليف بما لا يطاق، لا يقال في صوم ما ذكر: إنه مأمور به، من حيث إنه صوم منهي عنه، من حيث إنه مقيد بيوم النحر، لأنه منهي عنه، للإعراض عن ضيافة الله تعالى في يوم النحر، وهو لازم للصوم فيه، ولأن المقيد يستلزم المطلق بخلاف الصلاة والغصب، لانفكاك كل منهما عن الآخر.
المحشي: فإن قلت: كل من صوم يوم النحر، والصلاة في المغصوب مقيد، والمقيد يستلزم المطلق فلم قلتم بالانفكاك فيها دونه، قلنا لأن الزمن داخل في ماهية الصوم لأنه الإمساك عن المفطر بالنهار، بخلاف المكان ليس داخلا في ماهية الصلاة، ولأن النهي عن الصوم ورد في هذا اليوم الخاص، بخلاف الصلاة في المغصوب، فإنه إنما نهي عن الغصب، والصلاة في المغصوب، فرد من أفراده، ولا يشكل ما ذكر بصحة الصوم نحو يوم الجمعة، مع أنه منهي عنه، لأن النهي عنه ليس لأمر لازم، بل لخارج، كالضعف عن كثرة العبادة في يوم الجمعة. فالنهي عن العبادة إنما يؤثر إذا كان لنفسها أو للازمها. قوله: «في المكان» مثال، فالثوب مثله.
صاحب المتن: فالجمهور: تصح، ولا يثاب، وقيل: يثاب، والقاضي،
الشارح: «فالجمهور» من العلماء قالوا «تصح» تلك الصلاة التي هي واحد بالشخص إلى آخره، فرضا كانت أو نفلا نظرا لجهة الصلاة المأمور بها، «ولا يثاب» فاعلها عقوبة له عليها من جهة الغصب، «وقيل يثاب» من جهة الصلاة، وإن عوقب من جهة الغصب، فقد يعاقب بغير حرمان الثواب، أو بحرمان بعضه، وهذا هو التحقيق، والأول تقريب رادع عن إيقاع الصلاة في المغصوب، فلا خلاف في المعنى. «و» قال «القاضي» أبوبكر الباقلاني،
المحشي: قوله: «أو نفلا» نبه به على رد قول ابن الرفعة في مطلبه: «عندي أن الخلاف إنما هو في الفرض لأن فيه مقصودين أداء ما وجب وحصول الثواب فيحكم بصحته، مع انتفاء الثواب، كالزكاة إذا أخذت من المالك قهرا، فإنه لا يثاب ويسقط عنه العقاب. أما النفل فالمقصود فيه الثواب فقط، فإذا لم يحصل فكيف ينعقد؟» أي فلا يصح، وجوابه أولا منع كون المقصود في النفل الثواب فقط، بل فيه أداء ما ندب أيضا، وثانيا كما يعلم مما يأتي أن من قال: لا يثاب، لم يرد به الجزم بنفي الثواب، بل أطلقه تقريبا للردع عن إيقاع الصلاة في المغصوب، فلا ينافي حصول الثواب.
قوله: «فلا خلاف في المعنى» أي لأن نفي الثواب على الأول من جهة المعصية، وإثباته على الثاني من جهة الصلاة. وقال العراقي: «ينبغي أن يقابل بين الثواب والإثم، فإن تكافآ، أي أو زاد الإثم كما فهم بالأولى، أحبط الإثم الثواب، وإن زاد الثواب بقي له قدر منه».
Halaman 64