Hāshiyat al-Sindi ‘alā Ṣaḥīḥ al-Bukhārī
حاشية السندي على صحيح البخاري
Genre-genre
رقم الجزء : 1 رقم الصفحة : 36 مما ذكروا إن شاء الله تعالى ، وهو أن عمر رضي الله تعالى عنه. لعله فهم من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : "لا تضلوا بعده أنكم لا تجتمعون على الضلالة ولا تسري الضلالة إلى كلكم" لا أنه لا يضل أحد منكم أصلا ورأى أن إسناد الضلال إلى ضمير الجمع لإفادة هذا المعنى لما قام عنده من الأدلة على أن ضلال البعض متحقق لا محالة ، وذلك لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم قد أخبر في حال صحته أنه ستفترق الأمة وستمرق المارقة وستحدث الفتن ، وهذا وغيره يفيد ضلال البعض قطعا ، فعلم أن المراد بقوله لا تضلوا هو أمن الكل بذلك الكتاب عن الضلالة لا أمن كل واحد من الآحاد ، فلما فهم رضي الله تعالى عنه هذا المعنى ، وقد علم من آيات من الكتاب مثل قوله تعالى : {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} ، وقوله سبحانه : {كنتم خير أمة} ، وقوله : {لتكونوا شهداء على الناس} ، وكذا من بعض إخباراته صلى الله تعالى عليه وسلم كحديث : "لا تجتمع أمتي على الضلالة" ، وحديث : "لا يزال طائفة من أمتي" ونحو ظاهرين ذلك أن هذا المعنى حاصل لهذه الأمة بدون ذلك الكتاب الذي أراد صلى الله تعالى عليه وسلم أن يكتبه ، ورأى أن ليس مراده صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك الكتاب إلا زيادة احتياط في الأمر لما جبل عليه صلى الله تعالى عليه وسلم من كمال الشفقة ووفور الرحمة والرأفة صلى الله تعالى عليه وسلم تسليما كما فعل صلى الله تعالى عليه وسلم يوم بدر حيث تضرع إلى الله تعالى في حصول النصر أشد التضرع ، وبالغ في الدعاء مع وعد الله تعالى إياه بالنصر وإخباره صلى الله تعالى عليه وسلم قبل ذلك بمصارع القوم ، ورأى أن أمره صلى الله تعالى عليه وسلم إياهم بإحضار الكتاب أمر مشورة بأنه يختار تعبه لأجل كمال الاحتياط في أمرهم ، فلما كان كذلك أجاب عمر بما أجاب للتنبيه على أنهم أحق بمراعاة الشفقة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم في تلك الحالة التي هي حالة غاية الشدة ونهاية المرض ، وأن ما قصده حاصل لما أن الله تعالى قد وعد به في كتابه ، وهذا معنى قوله حسبنا كتاب الله أي يكفي في حصول هذا المعنى ما وعد الله تعالى به في كتابه ، وهذا مثل ما فعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه يوم بدر حين رأى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في شدة التعب والمشقة بسبب ما غلب عليه من الدعاء والتضرع حيث قال خل بعض مناشدتك ربك ، فإن الله منجز لك ما وعدك فقال كذلك شفقة عليه لما علم أن أصل المطلوب حاصل بوعد الله تعالى.
رقم الجزء : 1 رقم الصفحة : 36
61
62
وهذا منه صلى الله تعالى عليه وسلم زيادة احتياط بمقتضى كرم طبعه والله تعالى أعلم. وبالجملة فهو صلى الله تعالى عليه وسلم قد ترك الكتاب ، والظاهر أنه ما ترك الكتاب إلا لأنه ما كان يتوقف عليه شيء من أمر الأمة من أصل الهداية أو دوامها بل كان لزيادة الاحتياط وإلا لما تركه مع ما جبل عليه من كرم طبعه. اه. سندي.
Halaman 43