Hasad Falsafi
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Genre-genre
24
فإننا سنعرض لزمن الحاضر بشكل أكثر واقعية طالما قدر علينا العيش فيه.
تفرض علينا كل التحليلات السابقة أن نمسك باللحظة الحاضرة، وأن نملأها بما يضفي عليها القيمة والمعنى على الرغم من تعرضها الدائم للهروب والزوال، ولعل الفناء السريع لها هو الذي يمنحها هذه الأهمية. وعلى الرغم من ذلك فإننا نجد تفاوتا في الوعي بالزمن الحاضر بين الأفراد والشعوب أيضا، بحيث تختلف تجربة الزمن اختلافات متباينة. ووفقا لما تناوله هذا البحث في بدايته من عدم تجانس الزمان التاريخي حتى بين لحظاته المتزامنة، وعن تعدد أصوات الزمن ليس في داخل العصر الواحد فحسب، بل أيضا بتعدد المستويات الاجتماعية داخل المجتمع الواحد، فهل يصح لنا بعد كل هذا أن نساوي بين الأبنية الزمنية، بحيث نصدر حكما مطلقا بأن على البشر جميعا أن يحيوا في زمن الحاضر الذي رأينا - وفق التحليلات السابقة - أنه لم تحسم الحدود الفاصلة بينه وبين بعدي الزمان الآخرين «الماضي والمستقبل»؟ بطبيعة الحال لا نستطيع القول بهذا، وإلا وضعنا كل الفروض الأساسية لهذا البحث في مهب الريح. لكن يمكن التأكيد على أن هناك مواقف متعددة للتعامل مع تجربة الزمن لا على مستوى الأفراد فحسب، بل على مستوى الشعوب أيضا، بحيث يعيش الفرد (أو الأمة) زمن الحاضر بأسلوب أو بطريقة مغايرة لسائر أفراد مجتمعه، كأن يتخذ الإنسان موقف العيش في اللحظة. ويكون شعاره أن الإبداع في اللحظة أكثر أهمية من الماضي والمستقبل. فالماضي قد حدث ولا حيلة له في تغييره، والمستقبل يتطلب منه التضحية بالعيش في اللحظة من أجل إنجازات لم توجد بعد. بالإضافة إلى عدم تيقنه من أنه سيأتي وفق التصورات المرسومة له. ونجد نموذج هذا الموقف في عبارة نيتشه السابقة الذكر، وكذلك في بعض الأعمال الأدبية، فنجد عند جوته «فن التركيز على اللحظة الحاضرة والإحاطة الواعية بقيمة اللحظة»؛ إذ يقول على لسان فاوست:
عندئذ لا تتطلع الروح إلى الأمام وإلى الوراء؛
إذ الحاضر وحده عندنا هو السعادة والهناء.
25
ونجدها أيضا في نداء فاوست للحظة بالتريث والوقوف في محاولة لإيقاف عجلة الزمان عند لحظة السعادة القصوى، فيخاطبها قائلا:
توقفي إذن، فأنت رائعة الجمال.
إن أثر أيامي على الأرض،
لا يمكن أن يغيب في الدهور،
Halaman tidak diketahui