Hasad Falsafi
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Genre-genre
13
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى تعتبر البراجماتية بمثابة حركة انتقالية أو الحلقة المفقودة بين عصر الأيديولوجيا وعصر التحليل.
ثم نعرض للفلسفة التحليلية وللوضعية المنطقية التي صدمت الحياة الفلسفية، وكانت الطفل المرعب لفلسفة القرن العشرين، فلم تكن تسعى كغيرها من التيارات إلى تجديد الفلسفة، بل دعت إلى تدميرها، بزعم أنها تبحث في موضوعات لا معنى لها. وبذل الوضعيون المناطقة كل جهودهم لوضع حد حاسم بين الميتافيزيقا والعلم الطبيعي، وجعلوا مهمتهم الأولى هي حذف الميتافيزيقا، ثم توضيح لغة العلم وتحديدها. وعلى الرغم من الصخب الذي أحدثه أصحاب هذا الاتجاه في بدايته المبكرة، إلا أن نجمهم قد أفل وانخفض صوتهم، وتحول اتجاههم الفلسفي إلى تيارات علمية وتجريبية أخرى متطورة.
ثم يعرض البحث لأكثر التيارات تأثيرا في القرن العشرين - والتي لم تكتشف في رأينا كل كنوزها حتى الآن - وهي فلسفة الظاهريات أو الفينومينولوجيا ومؤسسها هوسرل، أو هو بالأحرى مؤسس فلسفة الوعي، الذي كانت مهمته إعادة بناء نقدي للمعرفة، وربما لا نبالغ إذا قلنا إن الظاهريات هي بحق العباءة التي خرجت منها معظم التيارات الفلسفية اللاحقة لها في هذا القرن، وإن لم يكن لها تلك الشعبية التي حظيت بها هذه التيارات (مثل الوجودية على سبيل المثال). والظاهريات هي الفلسفة التي تنتمي عن أصالة لفكر القرن العشرين، وهي التي يصفها مؤلفها بأنها «عالم البحث المحايد الذي تنبت منه جذور شتى العلوم.»
14
ثم ننتقل إلى الوجودية وهي من أكثر الفلسفات انتشارا في منتصف القرن العشرين. وهي أيضا من أكثر الفلسفات التي تأثرت - بكل تياراتها المختلفة - بظاهريات هوسرل. عادت الوجودية بتاريخ الفلسفة إلى جذور السؤال عن الوجود والماهية، كما عبرت عن أزمة الإنسان الأوروبي في مرحلة ما بين الحربين العالميتين. وإذا كانت الوجودية قد انحسرت منذ ما يقرب من ربع قرن، إلا أنها امتدت في تيارات أخرى انتشرت في الثلث الأخير من القرن العشرين، وهي التي تسمى بفلسفات «ما بعد الحداثة»، والتي انبثقت من فلسفة هيدجر على التحديد.
ثم نعرض لتيار آخر اجتاح الفكر الفلسفي الأوروبي منذ أواخر الربع الأول من القرن العشرين، لكنه لم يتبلور في شكل نظرية إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو التيار النقدي الاجتماعي الذي أرسى دعائمه أعضاء مدرسة فرانكفورت، وصاغوا له النظرية التي عرفت باسم «النظرية النقدية». وشكلت هذه المدرسة تيارا فلسفيا داخل الفكر المعاصر، مستعينة بالأدوات التحليلية والطاقة النقدية للماركسية، لتحليل المجتمع الصناعي والرأسمالي. وإن كان يؤخذ على أصحاب النظرية النقدية أنهم لم يقيموا نسقا منهجيا محكما، إلا أنهم يمثلون تيارا فلسفيا لا يمكن تجاهله، فقد حاول أن يعيد للفلسفة دورها في المجتمع، وخاصة على يد أحد أهم أعلام جيلها الثاني وهو يورجين هابرماس.
ثم نعرض للبنيوية، ذلك التيار الذي سيطر على الفكر الفرنسي في الستينيات، بعد أن هدأ الصراع الفكري بين الوجودية السارترية وأنصار الماركسية، ذلك الصراع الذي سيطر على الساحة الثقافية الفرنسية في تلك الفترة الزمنية. والبنيوية ليست مذهبا فلسفيا جديدا بقدر ما هي منهج في المعرفة العلمية، احتذى بالنجاح الذي حققته علوم اللغة بهدف الوصول إلى مرتبة العلم المنضبط على نمط العلوم الطبيعية. وقد أثارت البنيوية، فكرا ومنهجا، الكثير من الجدل بين الحماس لها من ناحية وبين الغضب عليها من ناحية أخرى.
ويعرض البحث للفلسفات الجديدة التي ظهرت في مطلع السبعينيات، وتركز معظمها في الفكر الفرنسي على وجه التحديد. ومنذ ذلك الحين بدأت تظهر فلسفات «المابعدية» - إذا صح هذا التعبير - أعني تلك التيارات التي اتخذت شعار: «ما بعد التجريبية»، «ما بعد العصر الصناعي»، «ما بعد الميتافيزيقا»، «ما بعد الأخلاق»، «ما بعد الحداثة»، «ما بعد الفلسفة»، «ما بعد النقد»، «ما بعد البنيوية»، «ما بعد الحكاية». ولا غرابة في أن تظهر هذه الاتجاهات في الثقافة الفرنسية التي اشتهرت «بالبدع» أو «الموضات» الثقافية والفكرية بنفس القدر الذي اكتسبت به شهرتها في «تقليعة» أو «موضة» الأزياء. تعبر كل هذه «المابعدات» عن التغيرات الأساسية التي طرأت على الثقافة والمجتمع الغربي في أخريات القرن العشرين، وظهرت بوضوح في مجالات الآداب والفنون، ثم انتقلت إلى مجالات الفلسفة والنظريات الاجتماعية. ومن أهم هذه التيارات التي سنعرض لها في هذا البحث فلسفة التأويل (الهرمنيوطيقا) والتفكيكية. (3) أهم التيارات الفلسفية في القرن العشرين
قبل أن نعرض لأهم تيارات هذا القرن لا بد أن نؤكد أن الغالبية العظمى من فلاسفة القرن العشرين انتابتهم رغبة جامحة للإتيان بأفكار وتيارات جديدة، واقتلاع القديم من جذوره، ولهذا السبب كانت الروح النقدية هي الدافع الأول في هذه التيارات. وإذا كانت هذه الرغبة مشروعة في الحياة بصفة عامة، فهي بغير شك أكثر مشروعية في الفكر الفلسفي الذي يعد النقد جوهره وأهم سمة من سماته، هذا من جانب، ومن جانب آخر لا بد من التأكيد أيضا أنه ليس هناك بداية مطلقة من الصفر، كما يستحيل على أي جديد أن يتبرأ تماما من دينه نحو الأسلاف، ولا يمكن على الإطلاق أن تكون هناك جدة مطلقة لا تتصل على نحو من الأنحاء - ولو على سبيل الرفض والقطعية - بما سبقها من أشكال الفكر ومضامينه. (3-1) فلسفة الحياة
Halaman tidak diketahui