Hasad Falsafi
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Genre-genre
22
ولكن التخلي عن فكرة المرآة يؤدي إلى التخلي عن الفلسفة بوصفها نظاما معرفيا، مما يترتب عليه التخلي أيضا عن فكرة الفلسفة المتمركزة حول الإبستمولوجيا؛ ولذلك تكون «السلوكية المعرفية» التي يقول بها رورتي ضد فكرة «الكيانات العقلية» أو العمليات السيكولوجية، وضد الصورة التي تؤكد أن للإنسان ملكات أسمى، وهي الصورة التي اشترك في تكوينها كل من ديكارت ولوك، ولكن آثار هذه الصورة تم محوها في رأي رورتي من قبل عدد من الفلاسفة مثل ديوي وأريل وأوستن وفيتجنشتين وسيلرز وكواين. ومن ثم تكون «السلوكية المعرفية» هي رد الفعل على نظرية المعرفة التي حصرت نفسها في إطار أسس ثابتة وتمثلات عقلية (فلكي نكون عقلانيين وأبستمولوجيين لا بد أن نبحث عن أسس مشتركة ومتفق عليها بيننا وبين الكائنات البشرية الأخرى)، ويفترض رورتي أن سيلرز وكواين على وجه التحديد «جعلانا نملك نوعا جديدا وأفضل من الإبستمولوجيا السلوكية، ولكن بعد التخلي عن الإبستمولوجيا التأسيسية بدا هناك نوع من الفراغ بحاجة إلى أن يملأ.»
23
كان من الطبيعي أن تظهر بعض العلوم البديلة التي تحاول ملء هذا الفراغ. وقد كانت الهرمنيوطيقا أحد هذه العلوم. ويوضح رورتي أنها - أي الهرمنيوطيقا -: «ليست اسما لنظام معرفي، ولا هي منهج يحقق نوعا من النتائج التي فشلت الإبستمولوجيا في تحقيقها، ولا هي برنامج للبحث، ولكنها على العكس من ذلك تعبير عن الأمل الذي خلفه الفضاء الثقافي ولا تملؤه الإبستمولوجيا»،
24
وهذا هو الذي أكده جادامر أيضا في كتابه «الحقيقة والمنهج» حيث قال إنها - أي الهرمنيوطيقا -: «ليست منهجية للعلوم الإنسانية ، بل محاولة لفهم ما هي العلوم الإنسانية على حقيقتها وما وراء وعيها الذاتي بشكل منهجي، وماذا يربط هذه العلوم بتجربتنا في العالم»،
25
وإذا كان تاريخ الفلسفة قد تشكل من خلال البحث عن القياسية أو المعيارية، وهي التي تبلورت في الفلسفة الحديثة وميزت الإبستمولوجيا، فإن رورتي برفضه لهذا التراث ولكل ما هو قياسي لا يفهم الهرمنيوطيقا بوصفها منهجا جديدا أو نظاما معرفيا أو وسيلة جديدة لتحقيق القياسية.
يعيب رورتي على الفلاسفة التقليديين هروبهم من التاريخ، بمعنى أنه يعيب عليهم تناولهم للمشكلات الفلسفية من منظور غير تاريخي، ويأخذ عليهم رؤيتهم للعالم «من منظور الأبدية» على حد تعبير اسبينوزا، وينظر للمشكلات الفلسفية من منظور زماني تاريخي متغير. إنه لا يريد إيجاد بديل للنظم المعرفية الإبستمولوجية - على الرغم من أنه لا ينكر الدور الهام الذي قامت به الإبستمولوجيا في التقدم العلمي وفي المشهد الثقافي في الفلسفة الأوروبية - بل يريد تحويلا أو تغييرا في اتجاه الفلسفة ذاتها في الفكر المعاصر. إن ما «يريد رورتي أن يقوله لنا هو أن تاريخ الفلسفة، مثله مثل كل ثقافة، هو سلسلة من المصادفات أو العرضيات، هو تاريخ نشأة وزوال ألعاب اللغة المختلفة وأشكال الحياة»،
26
Halaman tidak diketahui