وقد تعددت الثورات في عهد الرشيد لأسباب مختلفة، أوقعت الدولة أحيانا في أزمات حرجة لولا حزم الرشيد وهمته ورجاله ... منها: غيظ الروم من عظمة المملكة الإسلامية وتفوقها، والاهتمام بدس الدسائس لإضعافها، ومنها: ميل الشاميين للدولة الأموية وحزنهم عليها، وغضبهم من الإيقاع بالأمويين، وتمنيهم أن تعود السلطة للعرب، يدل على ذلك ما عرف عن الدولة العباسية من غلبة سلطان الفرس عليها ... حتى ليروون أن رجلا من الشاميين صرخ في المأمون عند زيارته للشام يقول له: انظر إلينا كما نظرت إلى الفرس، ومنها: الحزب العلوي الذي كان يكره العباسيين أشد الكره بعد أن ضحك العباسيون عليه، ثم تخلوا عنه.
وقد ظلوا يحافظون على بيتهم، ويتطلعون إلى الحكم، وكلما مات إمام مستتر، أو قتل، خلفه إمام آخر ينتظر للوقت المناسب.
ومنها: خروج الخوارج الذين ظلوا من عهد أن تكونوا في عصر علي يحافظون على مذهبهم، ويخرجون من حين إلى آخر، يودون تحقيق أمنياتهم، واستيلاء أحد من رجالاتهم على الدولة فيقضي فيها بكتاب الله وسنة رسوله، ولو كان عبدا حبشيا، لا يرضون عن أمويين ولا عن عباسيين؛ لأنهم في نظرهم كافرون، أو على الأقل ظالمون، أسرفوا في الشراب، وأسرفوا في النساء والغناء، وما إلى ذلك من بذخ ... فوجبت إزالتهم عن الملك وتولية من يصلح لهذا الغرض على مبادئهم.
ومنها أن بعض البلاد البعيدة رغبت في الاستقلال عن الخلافة، وحكم نفسها بنفسها، وعدم الخضوع للسيطرة العباسية عليها، إلى غير ذلك ... •••
كل هذا كانت تواجهه الدولة العباسية ... وبكلمة أوجز كان يواجهه الرشيد من حين إلى حين؛ فما نشبت ثورة وخمدت إلا قام غيرها، وبجانب ذلك كان الرشيد نفسه يريد أن يضعف الروم حتى لا يدسوا له الدسائس؛ فأنشأ مدينة تسمى العواصم للإعداد لغزو الروم منها، وكان يدبر لهم غزوة في الصيف تسمى الصائفة قد يقود جيشها بنفسه فيغنم الغنائم الكثيرة التي كانت تعد بابا كبيرا من أبواب الدخل، وغزوة في الشتاء تسمى الشاتية، ونحو ذلك.
فمن النوع الأول:
مثلا - أن ثار أهل الخزر في أيام الرشيد بتحريض من البيزنطيين، وعقدوا معهم شبه تحالف، وأغاروا على أرمينية، وأفسدوا في البلاد، وأعملوا فيهم السيف، ومثلوا بالسكان الآمنين على نحو لم يسبق له نظير، فاضطر الرشيد أن يبعث إليهم حملات قوية تعاملهم بالقسوة والرعب، فانتصروا عليهم، وأخمدوا ثورتهم.
ومن النوع الثاني:
ما قام به أهل الشام من ثورات متعددة، ثورة بعد ثورة، مما جعل الرشيد يفضل انتقاله من بغداد وسكناه في الرقة كما ذكرنا.
ومن النوع الثالث:
Halaman tidak diketahui