ولكن زحف شارلمان، سنة 778 باء بالفشل عندما أغلقت مدينة سراقوسطة في وجهه، وهجم على جيشه سكان الجبال، حتى فقد كثيرا من أتباعه ومتاعه، واستعان عبد الرحمن على الانتصار على شارلمان بجيش منظم أحسن تنظيم، ومدرب أحسن تدريب، وكان يبلغ نحو أربعين ألف مقاتل من البرابرة الذين استجلبهم من أفريقيا، فلما خذل شارلمان يئس الرشيد منه ومن الاستيلاء على الأندلس.
وكان الرشيد كأبيه وجده شديد العداوة للأمويين، ومنهم بنو أمية في الأندلس، وشارلمان لحبه في الفتح وأمنيته في رد الأندلس إلى مملكته بعد أن اغتصبت من المملكة المسيحية.
والأمر الثاني أن يسهل الرشيد لزوار بيت المقدس من المسيحيين الكاثوليكيين، ويعفيهم من القيود والتكاليف التي وضعها الرشيد إذ ذاك على أهل الذمة.
أما السفارة الثانية فقد أوفدها شارلمان إلى الرشيد، ولقد أحصيت التحف والهدايا التي بعث بها الرشيد إلى شارلمان، فكانت بوقا من العاج، وهو محفوظ للآن في مدينة آج، وسيفا وصينية من الذهب محلاة بقطع من الزجاج المختلفة الألوان، وعليها صورة لكسرى الأول مصنوعة من البللور محفوظة في دير «سنتدفيس»، وقطعة من قطع شطرنج شرقي محفوظة في الدير نفسه، وإبريقا من الذهب محفوظا في دير كنتون فللس، وثماني شوكات من التاج الذي يقال: إنهم ألبسوه رأس المسيح عليه السلام عند صلبه.
كما يحدثوننا أن الرشيد أرسل إلى شارلمان في السفارة الأولى هدية فيها فيل يسمى أبا العباس، وهدايا أخرى، وقد أخذ هذا الفيل شهرة واسعة؛ لأن الفرنج لم يكونوا رأوا فيلا قط.
وكان الرشيد قد أتى به من الهند، وبعد ذلك أرسل شارلمان وفدا إلى بلاط الخليفة هارون الرشيد، وقد قالوا: إنه مر في طريقه بالأراضي المقدسة، ثم سار إلى بلاط الخليفة في بغداد.
وقد أرسل الرشيد وفدا آخر إلى شارلمان يحمل هدايا ثمينة منها رخام ملون بألوان متنوعة جميلة، ومنسوجات من الحرير والكتان، وروائح عطرية وبلسم، وساعة مائية، وأوان نحاسية، وقد أقام السفراء عند الإمبراطور مدة، ثم أرسلوا إلى إيطاليا حيث أبحروا من هناك إلى المشرق.
وقد أنكر بعض الباحثين من الفرنج حكاية هذه الوفود بدعوى أن مؤرخي العرب لم يذكروها في كتبهم، ولكن هذه الحجة لا تقنع؛ لأن كثيرا من الحوادث حدثت في أوروبا ولم يذكرها مؤرخو العرب لجهلهم بها، خصوصا وأن بقايا هذه الهدايا محفوظة إلى اليوم، ومن المؤكد أنها مصنوعة في الشرق، وليس من المعقول أن يشتريها إسحاق اليهودي من ماله وينسبها إلى الرشيد ... فإسحاق أعجز وأحزم من أن يفعل هذا.
وأحيانا كانت تصفو العلاقات بين الرشيد والبيزنطيين؛ فقد روى سفير بيزنطي أن إمبراطور القسطنطينية أوفد إلى الرشيد وفدا فاستقبل على بضعة فراسخ من بغداد، ومر الوفد أمام جيش مؤلف من مائة وثمانين ألفا مدججين بالسلاح، وقدم للوفد أفخم الهدايا من الخليفة الرشيد، منها مائة جواد أصيل مجهزة، وثياب فاخرة، وفرش له في الطريق ثمانية وعشرون ألف طنفسة تغطي أرض الطريق، وزين عدد كبير من السفن كانت تمخر عباب نهر الدجلة، وأنه سمع بداخل القصر زئير الأسود، ورئي معها حراسها الأفريقيين مما أدهش الوفد.
وكانت هذه الوفود سواء في القسطنطينية، أو عند شارلمان، تنشر الأحاديث العجيبة عما شاهدوه ... فيعظم في عينيهم شأن الرشيد وشأن الشرق.
Halaman tidak diketahui