Pergerakan Reformasi
محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث
Genre-genre
والقصيدة طويلة، نكتفي منها بهذا القدر . (2-4) محاولة إيجابية للإصلاح
في هذه الأمثلة جميعا كان الاستنكار سلبيا، ومع هذا فقد أشار الجبرتي إلى محاولة إيجابية واحدة لمحاربة البدع والقضاء عليها، كان صاحب هذه المحاولة واعظا روميا (أي تركي الأصل)، وكان يعقد مجالس وعظه في جامع المؤيد.
وفي ليلة من ليالي رمضان سنة 1123ه/1711م بعد أن انتهى من وعظه بدأ ينتقد «ما يفعله أهل مصر بضرائح الأولياء، وإيقاد الشموع والقناديل على قبور الأولياء وتقبيل أعتابهم» وقال: إن «فعل ذلك كفر يجب على الناس تركه، وعلى ولاة الأمور السعي في إبطال ذلك، «وذكر أيضا قول الشعراني في طبقاته: إن بعض الأولياء اطلع على اللوح المحفوظ! أنه لا يجوز ذلك، ولا تطلع الأنبياء - فضلا عن الأولياء - على اللوح المحفوظ، وأنه لا يجوز بناء القباب على ضرائح الأولياء والتكايا، ويجب هدم ذلك، وذكر أيضا وقوف الفقراء بباب زويلة في ليالي رمضان.»
إن ما قاله هذا الواعظ وما دعا إليه كان جديدا، وكان جريئا، وخاصة في ذلك العصر، لقد سبق محمد بن عبد الوهاب بثلاث وثلاثين سنة؛ فقد بدأ ابن عبد الوهاب دعوته حوالي سنة 1744م، أما هذا الواعظ فقد نادى بنفس الآراء في سنة 1123ه/1711م.
وقد استجاب المستمعون في مسجد المؤيد لدعواه، وأراد الرجل أن يفعل ما فعله ابن عبد الوهاب؛ أن يقوم المنكر بيده ولسانه جميعا، فخرج ووراءه أتباعه بعد صلاة التراويح، ووقفوا جميعا بالنبابيت والأسلحة على باب زويلة، «فهرب الذين يقفون به، فقطعوا الجوخ والأكر المعلقة، وهم يقولون: أين الأولياء؟!»
بدأت عروش الأولياء والشيوخ إذن تهتز، ولم يعد الأمر فتوى تصدر أو شعرا ينظم، بل أصبح نبوتا يصدع الرأس، أو سلاحا يقتل، عند ذلك أسرع العامة المفتونون بمشايخهم إلى علماء الأزهر يسألونهم الفتوى في أمر هذا الواعظ وما يقول، ومن العجيب أن شيوخ الأزهر هم الذين حاربوا هذه الدعوى وقضوا عليها! ولكنني لا أرى في هذا عجبا؛ فإن شيوخ الأزهر لم يكونوا جميعا من المعادين للتصوف، بل كان بعضهم يجمع - كما قلنا - بين علمي: الشريعة والتصوف، وكان الكثيرون منهم - وهذا أهم - خطباء أو أئمة أو وعاظا أو مدرسين في الزوايا والجوامع، وكانت لهم من أوقافها مرتبات وجامكيات تدر عليهم الرزق الوفير، كما كانت لهم أنصبة أخرى من الهدايا والنذور التي تقدم لأصحاب الأضرحة، وهم بعد هذا كله موظفون في الدولة، تربطهم بها روابط الولاء، ومن العسير عليهم أن يستجيبوا للثورة أو يسيروا في ركابها.
وأصدر شيخان من شيوخ الأزهر - هما: الشيخ أحمد النفراوي والشيخ أحمد الخليفي - فتوى ينقضان فيها رأي هذا الواعظ، ويطلبان من الوالي زجره على ما قال.
وحمل الناس هذه الفتوى إلى الواعظ في مجلس وعظه، فقرأها، ولكنه غضب وثار، وقال: إن كان العلماء أفتوا بغير ما قلت فليأتوا لمجادلتي في مجلس القاضي! ثم وجه خطابه إلى أتباعه وقال: «فهل منكم من يساعدني على ذلك وينصر الحق؟» فكانت إجابة أنصاره: «نحن معك، لا نفارقك.»
وترك الواعظ كرسي وعظه، وخرج من المسجد وحوله جماعة من أنصاره يزيدون على الألف ، وتقدم بهم في شوارع القاهرة إلى أن وصل إلى بيت القاضي؛ وانزعج القاضي واضطرب عندما رأى هذا الجمع المحتشد، وسألهم عما يريدون. فقالوا: «نريد أن تحضر اللذين أصدرا هذه الفتوى؛ لنباحثهما أمامك» فقال القاضي لمن يخاطبه: «اصرفوا هؤلاء الجموع ثم نحضرهما ونستمع إلى مجادلتكم معهم»، ولكن أحدا لم ينصرف، بل التفوا جميعا حول القاضي وقالوا له: «ماذا تقول أنت في هذه الفتوى؟»
وخشي القاضي بأس المتظاهرين، فأنكر الفتوى وقال: «هي باطلة»، غير أنهم لم يقنعوا بهذا الإنكار الشفوي، وطلبوا منه أن يسجل إنكاره هذا كتابة، ولكن القاضي لم يكن يعني ما يقول وإنما هو أراد أن يتخلص من هؤلاء الثائرين المتظاهرين؛ لهذا لم يلبث أن انتحل عذرا آخر، فقال لهم: «إن الوقت قد ضاق والشهود قد خرجوا، فلنترك ذلك إلى غد.»
Halaman tidak diketahui