Pergerakan Reformasi
محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث
Genre-genre
ثم يشير المؤلف بعد ذلك إلى ما كان يفعله المسلمون عند قبور ميمونة بنت الحارث والسيدة خديجة وعبد الله بن عباس، وإلى ما يفعل عند قبر النبي عليه السلام «من الأمور المحرمة العظام؛ من تعفير الخدود، والانحناء بالخضوع والسجود، واتخاذ ذلك القبر عيدا ... إلخ .»
وأما ما يفعل في جدة مما عمت به البلوى، فقد بلغ من الضلال والفحش الغاية القصوى؛ فعندهم - كما يقول ابن غنام - قبر طوله ستون ذراعا، عليه قبة، يزعمون أنه قبر أمنا حواء، يجبي عنده السدنة من الأموال كل سنة ما لا يكاد يخطر على البال، «فلا يدخل يسلم على أمه كل إنسان، إلا مسلما دراهم عاجلا من غير توان، أيبخل أحد من اللئام - فضلا عن الكرام - ببذل بعض الحطام، ويدع الدخول على أمه والسلام؟!»
وعند أهل جدة أيضا معبد يسمى العلوي، غالوا في تعظيمه كل المغالاة «فلو دخل قبره قاتل نفس أو غاصب أو سارق، لم يعترض بمكروه من مؤمن ولا فاسق.» ولم يجسر أحد أن يخرجه من هناك، فمن استجار به أجير، ولم يعرج عليه حاكم ولا وزير.»
ثم ينتقل ابن غنام من بلاد العرب إلى أقطار العالم الإسلامي الأخرى، فيشير إلى ما يوجد بها من قبور أو جماد أو نبات يعكف المسلمون على تعظيمها والتقرب إليها والاستغاثة بها؛ فمن البلاد التي ذكرها: مصر، واليمن، وحضرموت، والشحر، وعدن، ومخا، والحديدة، وحلب، ودمشق، والموصل، والعراق، وبلاد الأكراد، ومشهد، والقطيف، والبحرين ... إلخ.
كانت هذه الأفعال وأشباهها هي التي أثارت محمد بن عبد الوهاب ودفعته دفعا إلى القيام بدعوته الإصلاحية، وكانت هذه الدعوة تتلخص في الرجوع إلى القرآن والسنة، إلى الإسلام في حالته الأولى إلى التوحيد؛ ولذلك كان أتباعه يسمون بالموحدين، وإنما سماهم أعداء الحركة بالوهابية؛ إضعافا لشأنهم.
ولتحقيق هذا كله كانت الدعوة تنادي بمحاربة البدع المضللة وزيارة القبور وتقديم النذور والاستشفاع بالأولياء والإيمان بالخرافات وتقديس بعض الجمادات والنبات، كما كانت تحارب المتصوفة وما أحدثوا من طقوس يرى الموحدون أنها تمثل مظاهر الشرك والوثنية، كحلقات الذكر وما يصاحبها - في بعض الطرق - من رقص وطرب، وتقديس الأولياء من الأحياء والأموات، والإيمان بما لهم من قدرة على الإتيان بالخوارق والمعجزات، والاستغاثة بهم لجلب نفع أو دفع ضر، وهكذا.
ودعوة محمد بن عبد الوهاب - على هذا الوضع - لم تكن جديدة، بل سبقتها قبل ذلك بنحو خمسة قرون حركة كبرى مشابهة، هي حركة تقي الدين ابن تيمية في القرن الثالث عشر الميلادي، ثم حركة تلميذه ابن قيم الجوزية في القرن الرابع عشر، وابن تيمية وتلميذه حنبليا المذهب، وقد أثارت حركتهما ضجة كبرى في مصر والشام، وقامت المناقشات العنيفة بين الفقهاء ورجال الدين من أتباع ابن تيمية ومعارضيه، وكاد الأمر ينتهي إلى فتنة لولا أن الحكومة كانت تتدخل بين الحين والآخر، فتحد من نشاط ابن تيمية قليلا، أو تودعه السجن وقتا ما في مصر أو في الشام.
فالمنبع الذي صدرت عنه الحركتان؛ حركة ابن تيمية وحركة ابن عبد الوهاب واحد، هو مذهب ابن حنبل، ولكن ابن عبد الوهاب تأثر كذلك بحركة ابن تيمية، وقرأ كتبه ورسائله وفتاواه، وتفهمها وأخذ عنها وترسم خطاه وأخذ بآرائه، كما تأثر كذلك بكتب تلميذه ابن قيم الجوزية وآرائه، ومما يثبت هذا كله أن بعض رسائل ابن تيمية الموجودة في المتحف البريطاني مكتوبة بخط محمد بن عبد الوهاب، فهي مما كان ينسخه لنفسه، وهو في رسائله التي كتبها لشرح دعوته أو لمناقشة معارضيه يعتمد كثيرا على آراء ابن تيمية وابن قيم الجوزية ويستشهد بأقوالهما.
ومع هذا فنحن نلاحظ أن حركة ابن تيمية - رغم الضجة التي أحدثتها - لم تبلغ من النجاح ما بلغته حركة ابن عبد الوهاب؛ وذلك لأسباب كثيرة:
منها أن بيئة الحضر التي ظهر فيها ابن تيمية بدعوته لم تكن البيئة الصالحة لنجاح الدعوة وانتشارها، فسكان الحضر تشغلهم شئون الحياة ومباهجها وعوامل الترف والرفاهية، والدعوة تنادي بالزهد والتقشف والبساطة، ولو أنها ظهرت بين البدو في بيئة صحراوية للاقت نجاحا أكثر.
Halaman tidak diketahui