فالأعمال بذاتها لا تدخل في أصل الدين، وإنما هي مطلوبة بجنسها لتحقيق أصل الدين ولتكون دلالة عليه، فإن أصل الإيمان محله في القلب كما ذكر ابن تيمية في "الإيمان" (١)، وإنما عدم هذه الأعمال الواجبة بالكلية دلالة على سقوط هذا الإيمان من القلب، تمامًا كما اعتبرنا أن سب الرسول ﷺ كفرًا لدلالته على سقوط عقد القلب، بينما هو في ذاته عمل من الأعمال (٢)، فالأمر في ذلك أمر دلالة تدل على الكفر الأكبر أو على سقوط عقد القلب وانتفاء الإيمان بالكلية منه، فيجب التفريق بين أصل الإيمان بذاته وبين ما يدل على سقوطه بترك جملة الأعمال بالكلية حتى لا يظن الظان أن ذلك يعنى دخول الأعمال بنفسها في أصل الدين، وهو المذهب الذي سيأتي رده وإبطاله في معرض مناقشة الخوارج إن شاء الله تعالى.
ثانيًا: أن هذه القضية لا تظهر إلا في حق من بلغتهم الشرائع، وطولبوا بها بالفعل، ولا تعارض بينها وبين إثبات أصل الدين الذي نزلت به الرسل جميعًا (٣) والذي يخلو بذاته من الأعمال المطلوب فعلها. فإن هذا الأصل قد يتحقق عند من لم تبلغه شرائع عملية، كما يتحقق عند من مات قبل نزول هذه الشرائع، وفي هذه الحالة يكون إيمان هؤلاء - الذين لم يطالبوا بشرائع عملية لعدم وصولها إليهم أو موتهم قبل نزولها - قول وعمل كذلك، وعملهم هو ترك أعمال الشرك بالكلية مع ولائهم لله سبحانه وللمؤمنين.
_________
(١) راجع كتاب الإيمان لابن تيمية ص٣٠٨ طبعة المكتب الإسلامي.
(٢) راجع الصارم المسلول لابن تيمية.
(٣) وأصل الدين هو توحيد الله ﷿ بشقيه، الربوبية والألوهية أو العبادة، وهو بذاته يقتضي التحاكم إلى الله ورسوله والولاء لله ورسوله والتوجه بالنسك والشعائر لله تعالى وحده، وهذا الأمر يتحقق حتى قبل نزول أية شرائع عملية يكلف بها المؤمنون كما كان حادثًا في العصر المكي مثلًا.. وتفصيل ذلك في كتابنا الأول عن "التوحيد" فارجع إليه.
1 / 48