Beg Biru
الحقيبة الزرقاء: رواية عصرية أدبية غرامية
Genre-genre
وما كانت الساعة العاشرة صباحا حتى أصبح القصر مأهولا بأسرة بنتن وبعض المدعوين من أقاربها وأصحابها. ولو جئنا نصف ذلك النيروز وما حصل فيه من الألاعيب والأضاحيك وجميع دواعي المسرات لانشغلنا به عن حكايتنا؛ ولذلك نضرب صفحا عن وصف محاسنه ونقتصر على ذكر المهم مما يخص روايتنا، ونعني به ما كان بين لويزا وإدورد.
لا يحتمل المقام أن نصف للقارئ بالتدقيق والتفصيل كيف استقبلت لويزا إدورد وتعاشرا في ذلك النهار، وإنما نلمع إلى ذلك إلماعا، ونورد نموذجا من محاوراتهما المختلفة؛ لكي يعلم القارئ أين صارا في تبادل هواهما بعد مقابلة واحدة قصيرة.
أقبل إدورد على لويزا في الصباح في قصر كنستون، وفؤاده يتشنج في صدره تارة ويثب أخرى، وشعر أن قدميه مرنتان تحت بدنه، فلم يعد يعرف كيف يمشي حتى دنا منها؛ فرأى ملكة بلا تاج، وملاكا بلا جناحين، وثغرا يتدفق ابتساما، وخدين يتوردان توجدا، ولما وضعت كفها على كفه لتصافحه كانت يداهما كسلكين اتصلا فجرى فيهما مجرى كهربائي سريع انتفض به قلباهما، واختلجت عضلاتهما وكان بين لحظيهما حديث لم يلاحظه أحد من الحاضرين، ولم يفهمه غير فؤاديهما.
وكانا في الطريق وفي أكثر فترات النهار يتخاطبان في مواضيع مختلفة، وإدورد لا تفوته لحظة تأمل بجمال لويزا، وهي ينبوع تبسم لا ينضب. وكان إذا شغلت عنه هنيهة بغيره يعود إلى نفسه، ويقول: أحقيق أن مس لويزا بنتن ابنة اللورد بنتن وابنة اللايدي بنتن المتكبرة، هذه الفتاة التي استوجهت كل الأنظار إليها في حفلة كمبردج، وطارت شهرة جمالها في كل أندية لندن، وتمنى العدد العديد من الشبان النبلاء أن يحصلوا على يدها، أحقيق أن هذه الفتاة هي التي أراها الآن تبسم لي وتلاطفني كأنها دوني مقاما؟
نعم هي، ولكن ماذا غرها بي؟ لا نسب ولا ثروة. أجمال؟ لا أراني أجمل من سواي. أعلم وأدب؟ كثيرون من شبان اليوم يفوقونني علما وأدبا. أم أن الملاطفة والتودد خلقة فيها؟ كلا. كلا؛ لأني لا أراها تتودد لغيري من المدعوين وتلاطفهم كما تلاطفني. أراها اليوم تكاد تشغل بي وحدي؛ حتى صرت أخشى أن يلاحظ الأمر أبواها وينتقد عليها الباقون.
كاد الحب المتقد في صدر إدورد يستخفه إلى المجون أحيانا، ولكن كان في لبه وفير من الرزانة والتعقل يقعده عن أقل خفة وطيش.
وفي عصر النهار نزل القوم إلى البستان يتمشون بين الأشجار والزهور، وكان إدورد ولويزا يتمشيان معا فقطفت لويزا وردة وقالت: كيف أنت وعلم النبات يا مستر سميث؟ - يلذ لي ككل علم يا سيدتي. - أما أنا فكان يلذ لي تشريح النباتات، وتعليل أنسجتها وتغذيتها ونموها ونحو ذلك، وكنت أتضجر جدا من درس اصطفافها؛ لأنها كثيرة التنوع إلى صفوف ورتب وعائلات عديدة لا تحصيها ذاكرة. - وأنا كنت كذلك يا مس بنتن، ولكني كنت أنظر إلى كل علم من إحدى جهاته، وأضرب صفحا عن الجهات الأخرى، فكانت تلذ لي فلسفة تسلسل النباتات وأتمثل بها مبدأ الارتقاء. - أتذكر من أي عائلة الوردة؟
تناول إدورد وردة، وجعل يفتلها بين إصبعيه ويتأملها، ثم نظر إلى لويزا وتبسم وقال: ما الوردة إلا حواء النبات أغوت النرجس بجمالها البديع، ولما وبخها الله احمرت أوراق تويجها خجلا، ولم تزل حمراء. وأما النرجس فقاصه الله بالذبول. فضحكت لويزا متوردة الوجنتين وقالت: أفي النبات شعر أيضا يا مستر سميث؟ - في كل مادة من الطبيعة شعر يا سيدتي. - وكيف تشرح الوردة، وتشرح وظائف أعضائها؟ - تظل الوردة ملفوفة التويج ضمن كمها الأخضر ما دامت طفلة، فمتى بلغت دور الشبيبة انفتح كمها عنها فيظهر جمالها الفتان حتى تصبو إليها النفوس، فتكشف «بتلاتها» عن فؤادها، فتظهر سبلات دقيقة نابتة فوقه هي لهبات الحب، وما دام القلب غير ملتهب حبا يظل الجمال مخبوءا تحت غلاف الكم، وإذا فتحت وردة لم تزل مختومة وجدت تويجها أبيض؛ ذلك لأن القلب لم تمسه جمرة الحب بعد لكي يحمر التويج وينكشف عن القلب.
فابتسمت لويزا وظل الورد يظهر على وجنتيها تارة ويختفي أخرى، وقد استسهلت أن تشرح فؤادها لإدورد باصطلاحات تشريح الزهور التي استنبطها فقالت: إذن تعتقد أن الحب سبب الجمال لا الجمال سبب الحب؟
وإذ ذاك أشبع خداها حمرة. - أعتقد بكلا الأمرين.
Halaman tidak diketahui