Beg Biru
الحقيبة الزرقاء: رواية عصرية أدبية غرامية
Genre-genre
وكان ذلك الفتى هنري يذهب في بعض الأيام للصيد في الحقول المجاورة، وفي يوم من أيام ذلك الصيف الذي جرت فيه حكايتنا هذه ذهب للصيد وأوغل في تلك الحقول؛ حتى بعد جدا عن المنازل وأصبح في القفر. وبينا يجول هناك إذ صادف من بعيد شبح إنسان ملقى في سفح رابية بين الصخور؛ فأسرع إليه فرأى فتى صيادا مغمى عليه، والدم يسيل من إحدى ساقيه، فانحنى فوقه وأجلسه ليرى إن كان فيه رمق، فتنهد الصريع في الحال وأن وفتح عينيه وقال: «بربك أغثني.»
فقال له هنري: «ماذا حدث لك وماذا أصابك؟»
قال: «كنت أتنقل فوق هذه الهضاب أتتبع صيدا فزلت قدماي، وتزحلقت بين هذه الصخور من هذا العلاء الشاهق، ولم أشعر إلا وأنا في حجرك لا أدري ماذا تعطل من أعضائي.»
فقال له هنري: «سليم إن شاء الله. لا تخف.»
وعند ذلك كان يفحص بدنه فوجد بعض رضوض في أعضائه وجرحا بسيطا في ساقه، فمسح الدم عنها وعصبها، وقال: «هلم بنا آخذك إلى حانوتنا، وهناك نضمد جرحك، ونرى لك مركبة تقلك إلى منزلك.»
فنهض وكان يمشي في أول الأمر متثاقلا وهنري يسنده؛ إلى أن نشطت قدماه وصار يمشي كالمعتاد بلا تثاقل.
وكان عصاري اليوم لما أدركا الحانوت، فاستقبلهما المستر داي بكل اهتمام، ولما عرف حكاية الحادثة جعل في الحال يهتم بجرح الفتى، فغسله بماء البوريك مما عنده وعاد فعصبه، وجلس الفتى ساكن الروع يشكر لهنري وأبيه عنايتهما، ثم قال: إني جائع جدا، فماذا عندك يا عم لآكل؟ - ما تشاء من الأسماك المقددة وبعض اللحوم المبردة. - بل هات ما تشاء، فإني استلذ كل طعام بعد هذا الجوع.
وعند ذلك رتب الشيخ مائدة صغيرة، وجلس الفتى إليها يتلمظ الطعام، وجلس الشيخ وابنه إزاءه يذاكرانه فقال الشيخ: متى خرجت للصيد يا بني؟ - في فجر هذا النهار؛ لأني صحوت باكرا جدا، فوجدت الطقس جميلا، فآثرت أن أقضي الصباح في البرية أتصيد، وقد أوغلت في القفر حتى صار الظهر فقفلت راجعا وحدث لي ما حدث.
وكان الشيخ ينظر إليه ويتأمله كأنه يذكر تلك السحنة، أو ألف بعض ملامحها وشعر في قلبه بانعطاف إليه، وكان يظنه أحد أبناء النبلاء؛ أولا لدلالة سيمائه عليه، وثانيا لنضارة جسمه وحسن بزته. - أتتفضل علينا يا بني أن تعرفنا بشخصك الكريم؟ - إدورد سميث. - سميث اسم لأسرات متعددة مختلفة، فمن أي سميث حضرتك؟ - أسرتنا خاملة الذكر؛ فإن المرحوم أبي من قرية بعيدة تدعى «دون هل». - أظنك تمزح يا بني؛ لأني أرى في محياك سيماء الكبراء، وعليك مظاهر الأغنياء. - كلا لا أمزح يا سيدي، فإن أسرة أبي خاملة الذكر، ولكن أسرة أمي غنية، وقد ربيت في بيت خالي وعشت في ظله. - أظنك ربيت يتيما حتى تولى خالك تربيتك. - نعم يتيم الأبوين؛ لأني كنت رضيعا يوم مات أبي، وأمي ماتت على أثر حمى النفاس على ما قيل لي.
فتفرس فيه الشيخ وهو فاتح فاه كأنه يسمع بفمه وبأذنيه معا، وقال له: ما اسم أبيك؟ - جان سميث. - لا تؤاخذني على كثرة السؤال، فإن الإنسان كلما شاخ كثرت سؤالاته، ولعلها مفيدة في بعض الأحوال. - سل ما تشاء يا عم، فإني أسر بعشرة الشيوخ، وإن كنت فتى حديث السن؛ لأني أستخلص من كل حديث فائدة. - من هو خالك؟ - هو المستر جوزف هوكر، لعلنا معارف يا عم داي.
Halaman tidak diketahui