فأما أحوال الأجسام فإنما طريق المعرفة بها من جهة البصر، والبصر يؤدي إلى الإنسان؛ لأن الأجسام لا تخلو من هذه الصفات، فصح بيان ما قلنا في الأعراض. والقرآن عرض وشبحه قلوب الحافظين له والمصاحف والقارئ له، كما روي عن النبيء صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((القرآن يوجد في ثلاثة مواضع : في القلوب محفوظا، وعلى الألسن متلوا، وفي المصحف مكتوبا)). وفعل الإنسان فيه هو: الكتابة والتلاوة والحفظ؛ وفعل العبد لهذه اختياري إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله، وفعل الله الذي هو ذات القرآن ضروري لا يجوز عليه البطلان وإنما تبطل أفعال الناس فيه، وهذا مراد المؤيد بالله قدس الله روحه بقوله في الإفادة: (والقرآن عرض لا يجوز عليه البقاء)، يريد أنه لا يجوز (عليه) البقاء على الحكاية، فأما المحكي فلو كان يبطل لبطلت حجة الله. وقد قال الهادي إلى الحق عليه السلام في المسترشد: (ولو بطل من القرآن يسير لبطل منه كثير، ولو بطل بعضه لأشبه الباطل كله. بل هو يؤكد بعضه بعضا، فلن يبطل منه حرف أبدا، وكيف يبطل أو يتناقض ما أحكمه ذو الجلال والإكرام والسلطان، وحفظه من كل سوء الرحمن، ألا تسمع كيف يقول: {وإنه لكتاب عزيز ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}[فصلت:41-42]؟، وقال جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: {بل هو قرآن مجيد ، في لوح محفوظ}[البروج:21،22]، كيف يتناقض أو يبطل ما حفظه الكريم، وحاطه من كل باطل أو دنس ذميم وخيم، ومنعه وحجره من الشيطان الرجيم. كذب العادلون بالله، وضلوا ضلالا بعيدا).
فصح أنه لا يبطل في ذاته وإنما تبطل حركات العباد فيه كما تبطل حركاتهم في مفعولهم من الأجسام، والأجسام باقية، كما تبطل حركات البناء (التي هي التأليف، والنقل، والوضع)، والحجر والمدر باقيات، فصح ما قلنا، ووضح ما إليه ذهبنا. وأما الحركات فإنها تعلم ولا ترى بالإجماع، فاعلم ففي بعض ما هنا كفاية.
Halaman 132