وأما قولهم: ليس العرض يوهم ولا يحس، وإنما يحس الجسم ويعلم العرض، فمن الرد عليهم: أن البهائم عندنا وعندهم لا عقول لها تعلم بها وتميز، وقد رأيناها بالمشاهدة تسمع الأصوات. وقد حكى الله تعالى أنها تسمع الدعاء قال عز من قائل: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون}[البقرة:171]، فنص الله على أنها تسمع الدعاء والنداء، والدعاء غير الداعي، والنداء غير المنادي بالإجماع، فصح أنها تسمع الأصوات وقال الله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين}[النمل:80]، وقال تعالى: {ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون }[الأنبياء:45]، وقال تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر } [آل عمران:52]، وقال تعالى: {هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا}[مريم:98]. وقال المؤيد بالله: وروي عن القاسم عليهما السلام أنه قال: الركز: الصوت، ذكره في جواب مسائل سئل عنها. وسئل عليه السلام عن قول الله: {وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا}[طه:108]، قال: الهمس هو حس الأقدام، الذي ليس معه صوت ولا كلام. وقال المؤيد بالله -قدس الله روحه- في شرح التجريد: الركز الصوت الخفي، وقال الله تعالى: {لا يسمعون حسيسها }[الأنبياء:102]، وقال تعالى: {لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ، إلا قيلا سلاما سلاما}[الواقعة:25،26]، وقال تعالى: {إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور }[الملك:7]، وهذا في القرآن كثير إذا كان يلزمهم.
وللهادي إلى الحق عليه السلام في المسترشد أقوال تبين أن الأعراض تحس، أعني: ما كان منها محسوسا مثل الأصوات والروائح والذوق واللون. وتدل على أن العرض يحل في الجسم، وتدل على أن الصوت يسمع ويعلم المصوت، بخلاف قول المطرفية، وتدل على أن العقل غير القلب، وأنه حال في القلب. فمن ذلك قوله عليه السلام في صفة العينين: جعلهما الله -جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله- شحمتين اختص أوساطهما بالسواد ...إلى قوله: (فلو كان مكان سواد أطباقهما ناصعا ببياض نطاقهما لقصرتا عن بلوغ مناظرهما)، فصرح أن للسواد مكانا، والمكان محل، فصح أن اللون يحل في الجسم. ثم قال عليه السلام: (ثم جعل فيهما -من بعد إتقان تدبيرهما- شعرا مسودا ظاهرا عليهما، ليزيد سواده في قوة نظرهما). فبين أن السواد مرئي. وقال عليه السلام في صفة الأنف: (وجعله هواء معتدلا سواء، ولولا ما دبر فيه، وركب من الإحكام عليه لم يؤد بلطيف اعتباره، ودقيق اختياره المحسوس إلى قراره). فبين أن الرائحة مدركة بحاسة الأنف.
وقال عليه السلام في ذكر الطعم، وحاسة الذوق: (وأجرى فيه عذوبة ريقه ليميز بين مختلف ذوقه)، فبين أن الذوق مدرك بحاسة الفم.
Halaman 112