Fakta Islam dan Kesesatan Lawannya
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
Genre-genre
وقد حاول حاكم من أكبر حكام الغرب أن يلصق بالتشريع الإسلامي مظنة التحجر في العصر الحاضر، فشاء القدر أن يجري عليه قصاصا كان ينعاه على التشريع الإسلامي في معاقبة المفسدين؛ لأنه أمر بإحراق عصابة من اللصوص في مزرعة من القصب لاذت بها وتحصنت فيها من مطارديها، في جهة البلينا من صعيد مصر، فأمر الحاكم مفتشه من قومه بأن يشعل النار في المزرعة، ويتصيد من يهرب منها ضربا بالرصاص.
ذلك الحاكم هو لورد كرومر قيصر قصر الدوبارة في القاهرة كما يلقبونه في زمنه، وقد أخذ على الشيخ العباسي مفتي الديار المصرية أنه سئل عن عقاب العصابات فذكره كما جاء في الآية الكريمة:
إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم * إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم (المائدة: 33-34).
وهذه عقوبات فرضت في الجزيرة العربية قبل استفتاء الشيخ العباسي (سنة 1890) بثلاثة عشر قرنا، وفيها التخيير بين القتل وقطع الأطراف وبين السجن أو الإقصاء من الديار، وفيها العفو عمن تاب واستقام، وليس فيها الإحراق الذي كان للحاكم مندوحة عنه، لو أنه آثر أن يصبر على محاصرة المفسدين حتى يستسلموا له طائعين.
وقبل الاحتلال البريطاني لمصر - في أثناء الاحتلال الفرنسي في القرن الثامن عشر - حكم قضاة نابليون على سليمان الحلبي قاتل القائد كليبر بالقتل على الخازوق وقطع يديه ورجليه يدا بعد يد ورجلا بعد رجل، ثم إحراقه حيا بعد هذا التعذيب.
أما الذين حاكمتهم محاكم التفتيش في القرن الثالث عشر للميلاد - أي بعد بعثة النبي العربي بسبعة قرون - فحكمت عليهم بالإحراق فعدتهم مئات وألوف، منهم العلماء والأدباء والقساوسة والمتهمون بالسحر ومحالفة الشيطان، وليس منهم سفاح ولا قاطع طريق، وذنبهم كله أنهم يحلون من المعرفة ما يحرمه رجال الدين.
ولا نعلم أن أحدا من قضاة التفتيش أو من قضاة نابليون ندم على إحراق الناس بقية الحياة، ولكننا نعلم أن خليفة مسلما عاقب لصا من عتاة الجناة المفسدين غدر بعهد الأمان وقتل الأبرياء وتحدى ولي الأمر وأعوانه واستحق حكم الموت، فأحرقه الخليفة بالنار؛ ذلك هو الفجاءة بن إياس بن عبد ياليل الذي وفد على الخليفة أبي بكر الصديق يسأله سلاحا يحارب به المرتدين ويحمي به الطريق، فلما أعطاه السلاح خرج به يقطع الطريق وينهب السابلة ويحارب المسلمين، فطارده الخليفة حتى ظفر به فألقى به في النار، وعاش بقية حياته يندم على هذه المثلة؛ لأنها من غضب الحدة، وإن كان غضبا لا يعاب. •••
والعبرة في معظم هذه الأخطاء التي يقع فيها نقاد الشريعة الإسلامية من ساسة الغرب أنهم يرغبون في توجيهها، ولا يكلفون أنفسهم أن يترددوا فيها، ولولا ذلك لما وجهوا نقدهم إلى موضع الاستيفاء والضمان من هذه الشريعة؛ لأنهم لم يسألوا أنفسهم قط في أمر العقوبات التي يستعظمونها: هل هم على يقين أنها لم تكن في حالة من الحالات رادعة أو لازمة للتحذير والتخويف؟ وهل أوجبتها الشريعة الإسلامية في جميع الحالات ولم توجب معها عقوبة أخرى تصلح للأخذ بها في زمانها وفي غير زمانها؟ وهم خلقاء أن يترددوا في النقد إذا كلفوا أنفسهم بعض هذه الأسئلة؛ لأنهم ينكرون على الشريعة الإسلامية شرط التشريع الذي يزعمون أنهم يطلبونه وهو الوفاء بحاجة الزمن والمطابقة لجميع الأحوال، ويسقطون من حسابهم مصدر التشريع الدائم في الإسلام، وهو مصدر الإمامة ومن ورائه حق الأمة أو حق الإجماع، فإن هذا المصدر أوفى من أكبر المصادر العصرية التي يعولون عليها وهو مصدر السيادة؛ إذ كانت السيادة معززة بحق ولاة الأمر وحق الاستفتاء العام، وكانت الإمامة شاملة لهذه الحقوق جميعا، وتزيد عليها قداسة الدين واتفاق الأمة في جميع أزمنتها، كأنها وحدة عامة لا تتقيد بإرادة الأحياء في فترة واحدة.
ولا حاجة للأمة في عصر من عصورها إلى مصدر من التشريع أوفى من مصدر السيادة بهذا المعنى الواسع المحيط بكل حرمة من حرمات الشرع في غير حد، ولا حجر على حرية الأحياء ولا حرية الأجيال المقبلة؛ لأن التبعة على قدر السلطة في كل جيل من أجيال الأحياء.
وما من جهة واحدة يستند إليها حق الإمامة كله في الإسلام، ولا استثناء في ذلك لصاحب الرسالة وأمين التبليغ نبي الإسلام - عليه السلام:
Halaman tidak diketahui