وابتعدت اليد عنها فهدأت دقات قلبها، وانتظمت أنفاسها، وحملت الطفلة بين ذراعيها، وهي تحاول أن تبعد وجهها عنها بقدر ما تستطيع.
وتأملت وجه الطفلة مرة أخرى، فلم تر فيها أي شبه بينها وبين أختها زينب، ورأت في عيني الطفلة استعلاء وقسوة يشبهان الاستعلاء والقسوة في عيني أمها، وشعرت أنها تكره هذه الطفلة وتحقد عليها.
أهكذا يكون جزاؤها؟ إنها لم تفعل شيئا، لم تخطئ، لم تكسر كوبا أو طبقا، لقد قبلت الطفلة فحسب، وقبلتها لأنها تحبها وتحنو عليها، أهكذا يكون جزاء الحب والحنان؟
وأشاحت بوجهها بعيدا عن الطفلة، وأخذت تهدهدها بآلية ليست فيها عاطفة، وتذكرت أختها زينب، ترى من يهدهدها؟ كثيرا ما كانت تسمع بكاءها وهي نائمة على الأرض في صحن الدار ، وقد تعرى ردفاها، وغشي التراب أنفها وفمها، فتجري إليها، وتمسح وجهها، وتهدهدها وتقبلها، وترعاها حتى تعود أمها من الحقل.
ترى من يجري إليها الآن؟ ترى من يمسح لها التراب من فوق أنفها وفمها؟
ونظرت بهية إلى وجه الطفلة التي تحملها، وجه ناعم نظيف بلا تراب، وهي تهدهدها، وتلاعبها كلما همت بالبكاء، أليست أختها زينب مثل هذه الطفلة؟ ألا تستحق أختها هذا الحنان؟
ويصفعونها بعد كل ذلك لأن في قلبها حنانا!
وأحست بهية، طفلة العاشرة، بثورة عارمة تضطرم في أعماقها، ولم تشعر إلا وهي تضع الطفلة على السرير، وقد غمرها شعور بأنها لا تريد أن تحملها بين ذراعيها، ووقفت بجوار الطفلة كالتمثال تنظر إليها في كراهية!
وبكت الطفلة تريد أن تحمل.
وكانت أمها في الحمام، فنادت على بهية بأعلى صوتها: نوسة بتعيط ليه يا بت يا بهية؟
Halaman tidak diketahui