ولدى ضحى اليوم الثاني رجع الأسطي شلبي إلى بيته، وقد أدهشه أن يرى عبد المعز ما يزال قابعا به لم يسافر ولا تبدو عليه هيئة المسافرين، فقال له: ظننت أنك سافرت إلى العريش.
فسأله الشاب بقلق: أيضايقك أن أبقى مدة أخرى؟ - كلا وألف مرة كلا .. على الرحب والسعة دائما .. ولكن قل لي بالله ما الذي حملك على تغيير رأيك.
فقال الشاب مبتسما مرتبكا وهو ينظر بعينيه إلى الأرض: روض الفرج دون غيره. ليتني أستطيع أن أشبع من ملاهيه!
وقال الأسطي شلبي لنفسه: ترى هو روض الفرج حقا أم نور الحياة؟ على أنه لم يبال هيامه، واعتقد أنه عبث طفولة لا يقابل بغير الهزء والسخرية؟ فاصطحبه معه إلى روض الفرج. وكان تعلق الغلام بنور الحياة بينا لا يحتاج إلى دليل، أما الذي لم يدر بخلد إنسان أبدا ولا كان محل احتمال قط فهو أن تعلق المرأة بالغلام، ولو أنه من المسلم به دائما أن عالم الحب حافل بالمفاجآت غني بالغرائب والعجائب.
وكانت الظواهر تجمع على حب تلك المرأة الهائلة لذاك الغلام الغرير، فكانت تأنس به وتخف إلى محضره وتعاطيه نظرات حنان وعطف ومودة، وكان لسان حالها ينطق بالرغبة الحارة في الانفراد به، وكانا يطلبان غفلة من الأسطي شلبي ليتناجيا بغمزة عين أو ينفسا عن صدريهما بلمسة يد، وفي أثناء ذلك لا تكف ركبته عن تحسس فخذها المكتنز.
وحاول الأسطي شلبي أن يهزأ به في حضرتها أكثر من مرة، فكانت تغضب وتنهره حتى ضاق صدره، وجعل يفتل شاربه بعنف ويقول لنفسه: «أيغلب هذا الشارب الذي يقف عليه الصقر؟ هيهات ثم هيهات.»
وفي أثناء ذلك استبطأ الشيخ حضور ابنه، فأرسل إليه خطابا يحثه فيه على العودة بلا إبطاء. وانتهز الأسطى الفرصة الذهبية فنصح الشاب بإطاعة والده، ولكنه أجاب، أو قلبه أجاب: «لا أستطيع.» وانفجر حقد الأسطي شلبي في كتاب حرره للشيخ طه كاشفه فيه بتدهور ابنه إلى الحضيض والفساد، وصارحه بهيامه بإحدى غانيات روض الفرج، وأهاب به أن يدركه أو يتردى في الهاوية إلى الأبد.
وجن جنون الشيخ الواعظ، فشد رحاله إلى القاهرة فبلغها عصرا، واستقبله الأسطي شلبي استقبالا يدل على الإخلاص والمحبة، ولم يتردد فمضى به إلى روض الفرج، وكان يوسوس في صدره بما يزيد مخاوفه ويهيج بلابله، وانتهيا إلى كازينو البوسفور، وكان الستار مرفوعا، فسار إلى مكان يطلعان منه على الركن الأيمن الذي يجلس به عبد المعز يشاهد التمثيل في الظاهر وينتظر نور الحياة في الحقيقة، ومال الأسطى على أذن الشيخ وقال هامسا: ستوافيه إلى هذه المائدة بعد قليل.
فضرب الرجل حجره بيده في حالة عصبية، وقال بتأثر: ألا يكفيه أن يغشى هذه البؤرة الفاسدة؟
فقال الأسطي شلبي بلهجة دلت على الحزن والأسف: إن ما ينفطر له القلب حقا أن عبد المعز كان شابا طاهر الخلق.
Halaman tidak diketahui