أجدك متأهبا، ولو كنت أجمد من الكلإ الدسم الذي يتعفن متروكا على ضفاف النهر المهجور لاستفزك ما ستسمعه من نبئي، أنصت يا «هملت»: زعموا أن ثعبانا لدغني، إذ كنت نائما في بستاني، فخدعوا الأمة الدانمركية بما أذاعوه من الكذب، وما لدغني - ابن أرض، اعلم ذلك أيها الشاب النبيل - إلا ذلك الثعبان الذي يتقلد الآن تاجي.
هملت :
لقد تنبأت بذلك روحي ... ويك عمي.
الطيف :
أجل، ذلك الوحش الفاسق، تصيد ببوادر فطنته، وبما أوتي من مواهب أخر، بئست البوادر والمواهب، تصيد قلب مليكتي، وأنزلها على حكم شهوته، مع ما كان يبدو عليها من الأمانة والعفة، واولداه هملت. كبر إثما، وتمادى انحطاطا، أن تهبط تلك المرأة من كونها حليلتي، وأنا ذلك الوفي الذي ارتهن كرامته على الدوام بالعهود التي عاهدها عليها - إلى كونها حليلة ذلك الخؤون، الذي ليست له فضائل تذكر بجانب فضائلي. أجد نسيم الصباح، فلأقل باختصار. إنني كنت نائما في بستاني كعادتي بعد الظهر كل يوم، فاندس عمك في خلوتي، ساعة أمني، وراحتي، وبيده قارورة من ذلك العصير الملعون المعروف ب «الجيكويام»، أفرغ منها سما زعافا في أذني. ذلك عصير يدخل الجذام إلى الجسم، ويفعل في المهجة من الفعل العدائي ما ليس يفعله ماء الفضة، فهو يجري في الجسم متخطيا كل الحواجز الطبيعية، ويمتزج بالدم كامتزاج النطفة الحمضية في الحليب (اللبن)، فيريبه، ويجمد في أصح الناس أجسادا، وأنقاهم جسادا، هكذا أحسست مجراه مني، وأثره في دمي، ثم بدت على بشرتي الناعمة ندوب قذرة جافة، أشبه بقشرة الشجر، فجعلتني كالعاذر وألبستني خزيا وعارا. ذلك ما أصابني في نومي بيد «أخي» فحرمت حياتي، وتاجي، ومليكتي، وقضيت نحبي، ولم أمهل ريثما أراجع لبي، على ما فرط من ذنبي، وأتوب إلى ربي، نهاية النهايات في الفظاعة. لئن تكن فيك بقية من سلامة الفطرة لا تتحمل هذا. لا تدع مهد ال «دانمرك» الملكي مهدا للشبق، والخنا، وأيا يكن السبيل الذي تسلكه لهذا الانتقام لا تلوث فكرك، ولا تأذن في داخلتك لأية سانحة تمس والدتك، دع لله عقابها، وللأشواك التي تنمو في صدرها، يألوها وخزا، وإيلاما. أودعك لغير مآب، قد أشارت نار الحباحب بدنو الصباح؛ لأن ضوءها الذي لا جدوى منه قد أخذ بالأصفرار. سلاما. سلاما. سلاما وإياي فاذكر. (يخرج.)
هملت :
يا جيوش السماء، يا أيتها الأرض، وماذا أنادي بعد؟ أأناديك يا جهنم؟ رويدك يا قلبي، رويدك، وأنت أيتها الأعصاب لا تشيخي بغتة ... بل أسعديني بكل ما فيك من القوى، أتذكرني إياك. أجل يا أيها الروح الحزين، ما دامت لي حافظة تحفظ في مركز هذه الجمجمة المتضعضعة. أتذكرني إياك. أجل سأمحو من سجل استظهاري كل المعاهد التي كان حديث الضمير بها يؤنسني، سأمحو كل ما اقتبسته من حكم وأسفار ، سأمحو كل الصور والآثار التي أفادني إياها الشباب والاستقراء، ولن يبقى في كتاب عقلي كلمة واحدة سوى وصيتك الشريفة. كذا وايم الله. يا للمرأة؛ ما أفسد ما تكون المرأة! يا للمجرم الأثيم ذي الوجه البسام! إلي قرطاسي. سأنقش فيه: إن المرء يستطيع التبسم ما شاء التبسم، وهو مجرم أثيم، يقين أن هذا الضرب من الرياء إن لم ير في بلد، فهو يرى في ال «دانمرك» (يكتب): (كتب عليك ما كتب يا عمي، والآن ليكن شعاري «وداعا، تذكرني، أقسمت لآخذن بالثأر»).
مرسلس (من الخارج) :
مولاي مولاي.
هوراشيو (مستشرفا من الجانب الآخر) :
Halaman tidak diketahui