وإن قلت فلعل الذى فى الآية جمع زوجة بالتاء، قلت لا يحمل عليه لضعفه وندوره ولذكره بلا تاء حيث ذكر مفردا أو لأن أفعالا لم يعهد جمعا لفعلة بالتاء، فأزواج جمع زوج كثوب وأثواب، وبيت وأبيات، وسيف وأسياف. ويطلق الزوج على كل فرد مقرون بآخر من جنسه كأحد شقى وإحدى النعلين، ومطلق الذكر المقابل بمطلق الأنثى، والكبش بالنعجة، والثور بالبقرة الأنثى، والجمل بالناقة، وأصل التمييز بين المذكر والمؤنث بالتاء إنما هو فى الصفات، وإنما قال مطهرة بالإفراد للتأويل بالجماعة، كما فى قوله تبارك وتعالى ب { أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها } إلى قوله { ولهم فيها } ولم يقل من تحتهن ومنهن وفيهن. وقوله عز وجل
وإذا الرسل أقتت
ولم يقل أقتتلوا. وقرأ زيد بن على بن أبى طالب مطهرات بالجمع على لفظ الوصف. وأنا أقول الوجهان لغة لكل العرب، وقال الزمخشرى والقاضى لغتان ومن الإفراد قول أسلم بن أبى ربيعة من بنى ضبة
وإذا العذارى بالدخان تلفعت واستعجلت بن القدور فملت دارت بأرزاق العفاة مغالق بيدى من قمع العشار الحلب
إذ قال تلفعت ولم يقل تلفعن، مع عود الضمير للجمع وهو العذارى، بكسر الراء بعدها ياء، أو بفتحها بعدها ألف بصورة ياء، جمع عذراء، وهى البكر. ومعنى تلفعت بالدخان أحاط بها وصار لها كغطاء الرأس. وقال ملت ولم يقل مللن، والمعنى شوت اللحم فى الملة، وهى الرماد الحار أو الحفرة نفسها، لشدة الجوع، وقلة الصبر إلى ما فى القدر. وخص العذارى لجمالهن وحيائهن عن الطلب، والأخذ جهرة. وقلة صبرهن. وقال استعجل ولم يقل استعجلن. وفاء فملت عاطفة، ودارت جواب إذا، والعفاة جمع عاف، أى طالب المعروف، كقاض وقضاة، والمغالق جمع مغلق بالغين المعجمة، وهوالقدح فى الميسر، والقمع اسم جمع وهى رأس السنام، والعشار النوق الحوامل التى أتى لها عشرة أشهر، والجلة بالكسر السمان من الإبل. وقرأ عبيد بن عمير مطهرة بتشديد الطاء وكسر الهاء مشددة والأصل متطهرة أبدلت التاء طاء فأدغمت فى الطاء بعدها.
قال بعض العرب ما أحوجنى إلى بيت الله فأطهر به تطهرة، وفى هذا الكلام دليل على جواز لحوق التاء للمصدر الذى على وزن التفعل ولو كان صحيح اللام إذا أريدت الوحدة مثل تعلم تعلمة. وإن قلت لم لم يقل طاهرة أو متطهرة؟ قلت لأن مطهرة أبلغ، لأن معناه أن غيرهن قد طهرهن، وما هو إلا الله - عز وجل - وأما طاهرة ومتطهرة فمعناهما طاهرات، لا إن مطهرا طهرهن، ومتطهرة أبلغ من طاهرة، لأن التفعل للكسب والعلاج، فكأنهن قصدن الطهارة، وبالغن فيها، وكذلك قرأ به عبيد لكن أدغم. وليس طعام الجنة وشرابها لدفع الجوع والعطش وألمهما، ولا لحفظ البتة عن الفساد والموت، ولا الجماع فى الجنة لتناسل وإبقاء النوع الإنسانى، للاستغناء فى الجنة عن ذلك، بل ذلك كله للتلذذ والتنعم، وإظهار قدرة الله ونعمته ووعده أكمل إظهار. { وهم فيها خالدون } دائمون أبدا لا تفنى ولا يفنون، ولا يخرجون منها للآيات والأحاديث الدالة على ذلك، وإلا فالخلود الثبوت الدائم والثبوت الطويل، دون دوام، فهو الثبوت الطويل دام أو لم يدم. ويجوز تفسيره بمطلق الثبوت الطويل، دون تعرض لدوام وغيره، ويستفاد الدوام من الأحاديث وسائر الآيات. والجمهور يفسرون الخلود فى الآية بالدوام، ولولا لفظة أبدا فى قوله
خالدين فيها أبدا
لم تكن الآية نصا فى خلود العصاة الفسقة من الموحدين، ومن استعمال الخلود بمعنى الثبوت الطويل تسمية القلب خلدا، بفتح الخاء واللام، وقوله تعالى
أخلد إلى الأرض
وقول الشاعر
Halaman tidak diketahui