" عند رأسه ".
قال أبو عبيدة عن جابر عن أبى سعيد الخدرى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" لا يحل لامرئ مسلم له شئ يوصى أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه "
وأكثر الروايات ليلتين ، وفى رواية ليلة أو ليلتين، واختلاف الرواية دال على أنه للتقريب لا للتحديد، والمعنى لا يمضى عليه ولو ساعة، قيل فى ذكر الثلاث تلويح بأنه قد سومح إلى الثلاث، فلا ينبغى أن يتجاوزها. قال نافع سمعت عبدالله بن عمر يقول ما مرت على ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا ووصيتى مكتوبة عندى، وذلك حث على الوجوب والعجلة إذ لا يدرى متى يأتيه الأجل.
[2.181]
{ فمن بدله } أى بدل الإيصاء المعبر عنه بالوصية، أو الإيصاء المفهوم من الوصية، أو بدل ما ذكر من الوصية، أو يدل الموصى له المدلول عليه بالوصية، وبدل الحق المذكور فى قوله { حقا على المتقين }. أو بدل المعروف والتبديل التغيير، ويكون من الكاتب فى كتابه، ومن الأولياء والأوصياء بمحو ما فى الوصية والزيادة والنقص، ويكون فى القسمة، ويكون فى شهادة الشهود، ويكون من الموصى فى الوصية بلا عدل. { بعد ما سمعه } عن الله أو عن الموصى أو عن الشهود، أو عن الكتابة، فالسمع التحقق أو العلم، ليشمل ذلك كله، وذلك مجاز لاستلزام السمع وتحقق الشئ والعلم به بحسب ما وصل سمعه وأدركه. { فإنما إثمه } أى إثم التبديل، أو إثم ذلك المبدل بفتح الدال أى الإثم المترتب على تبديله، والمبدل بفتح الدال هو ما عاد إليه الضمير فى بدله بأوجهه. { على الذين يبدلونه } هم من بدله، فمقتضى الظاهر فإنما إثمه عليه، فوضع الظاهر موضع المضمر، ليصرح بعلة الإثم وهى التبديل، والإثم المذكور كبيرة، والحصر فى الذين يبدلونه، لأنهم المباشرون للتبديل لكنه إضافى، أى لا يكون إثم التبديل إلا على الذى بدل، وأما إثم الأخذ فثابت أيضا على من أخذ إذا لم يجز له الأخذ، مثل أن يوصى لعاص على معصيته، أو يربو، أو بأكثر من الثلث فيأخذ الأكثر بلا رضا من الورثة ونحو ذلك مما لا يجوز، فإن الإثم فيه على من أخذ أيضا، وعلى راض وشاهد ومنفذ وساع فى تسويغ ذلك، ولو بأقل القليل، والمشهور أنه لا إثم على من أوصى لوارث أو بأكثر من الثلث لغير وارث، إذا علم أن الأمر بعد إلى تجويز الورثة أو منعهم. { إن الله سميع } لقول الموصى فى إيصائه، وبكل ما قال مبدل فى تبديله، وبكل شئ. { عليم } بكل فعل. وذلك وعيد للذين يبدلون، الموصين وغيرهم، بالعقاب على التبديل.
[2.182]
{ فمن خاف } أى توقع أو رجح، يقال أخاف أن ترسل السماء إذا كره المطر وكرهته، وقد ترجح عنده أنها ترسل، ويجوز تفسيره بعلم لجواز استعماله فى العلم بالمحذور. { من موص } وقرأ حمزة والكسائى ويعقوب وأبو بكر موص بفتح الواو وتشديد الصاد ونص أبو عمرو الدانى على أن هذه قراءة أبى بكر وحمزة والكسائى، ولم يذكر يعقوب، لأنه إنما يذكر السبعة فقط. { جنفا } ميلا عن العدل فى الوصية خطأ أو جهلا. { أو إثما } ذنبا أتاه فى الإيصاء على علم وعمد. { فأصلح بينهم } بين الذين أوصى لهم، أو بينهم وبين الورثة، أو بين الورثة على ما مر من النسخ وغيره، وذلك الإصلاح بالرد إلى العدل، وذلك يكون بيد الإمام أو الحاكم أو القاضى، أو الوالى أو الجماعة، وكل من أمكن له إنفاذ العدل ورد الباطل. { فلا إثم عليه } ويجوز أن يكون الحصر المذكور بإنما إضافيا منظورا فيه إلى المصلح، أى فإنما إثم التبديل مثلا على الذى بدل لا على المصلح، قال مجاهد من خشى أن يحيف الموصى ويقطع ميراث طائفة ويتعمد الإيذاء، فذلك هو الإثم وإن لم يعمد، فالجنف، فالمعنى من وعظه فى ذلك ورده عنه، وأصلح ما بينه وبين ورثته، وما بين الورثة فى ذاتهم فلا إثم عليه. { إن الله غفور رحيم } للموصى إذا عملت فيه الموعظة، ورجع عما أراد من الإيذاء، وقال ابن عباس من خاف أى علم ورأى بعد موت الموصى أن الموصى حاف وجنف وتعمد إيذاء فأصلح بين الورثة فلا إثم عليه، وإن كان فى فعله تبديل للإيصاء لأنه تبديل من جور إلى عدل. والإثم إنما هو فى تبديل الحق بالباطل والهوى، وقوله { إن الله غفور رحيم } وعد للمصلح، كما أن قوله
إن الله سميع عليم
وعيد لمن بدل العدل والحق، وذكر المغفرة ليطابق ذكر الإثم فى من تقدم، ولكون تبديل المصلح من جنس ما يؤثم به، لأنه تبديل لكن لا إثم فيه إصلاح إلى الحق والعدل، وهذا فى لفظ الإثم والمغفرة، وأما القصد فالمراد غفران ذنوب المصلح مطلقا لهذه الحسنة التى هى الإصلاح. والله أعلم.
Halaman tidak diketahui