وهذه الآية والأحاديث مفسرة لما أبهم فى قوله
أن النفس بالنفس
وإن هذه خطاب للمؤمنين، وقوله
أن النفس بالنفس
حكاية ما كتب على بنى إسرائيل فى التوراة كذا يقول الشافعى، فأما قوله إن هذا خطاب للمؤمنين وآية المائدة حكاية ما كتب على بنى إسرائيل فصحيح. وأما قوله إن هذه بيان لآية المائدة، فلا يتعين لاختلاف الشريعتين فيمكن اتفاقهما فى تفصيل هذه الآية، ويمكن اختصاص المسلمين به، وزعم أصحاب الرأى أن هذه منسوخة بحكاية ما كتب على بنى إسرائيل فى التوراة فقالوا إن النفس تقتل بالنفس، ولو اختلفتا مطلقا فقالوا يقتل المؤمن بالذمى، والحر بالعبد، والوالد بالولد، ويرده الأحاديث المذكورة، وحديث على إن رجلا قتل عبده فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفاه سنة ولم يقده به، وما روى أن أبا بكر وعمر رضى الله عنهما كانا لا يقتلان الحر بالعبد بين أظهر الصحابة من غير نكير، وسواء فى ذلك كان العبد لقاتله أو لغيره، وأيضا نسخ ما فى القرآن بما فى التوراة بعيد، ولو ذكر فى القرآن، وأيضا كما أنه لا تستوى دية أعضاء العبد وأعضاء الحر، لا تستوى دية ذاتهما، وأيضا آية المائدة فى اليهود ولا عبيد فيهم، لأن الاسترقاق من الغنائم وهى مخصوصة بهذه الأمة، كذا قيل والمشهور أن لهم عبيدا، وقال بنسخ هذه بآية المائدة الحسن البصرى وعطية العوفى والبصريون والكوفيون، ووجهه أن آخر الآية وهو قوله تعالى
ومن لم يحكم بما أنزل الله
الآية ألزمنا الحكم بها، ولو كانت مكتوبة على بنى إسرائيل. قال الحسن كان أهل الجاهلية قوما فيهم عز ومنعة، فكان الحى منهم إذا قتلت منهم امرأة قتلتها امرأة من حى آخر، قالوا لا نقتل بها إلا رجلا، وإذا قتل منهم عبد قتله عبد حى آخر، قالوا لا نقلت به إلا حرا، فأنزل الله الآية، ثم أنزل بعد ذلك فى سورة المائدة
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس
قال النفس التى قتلت بالنفس التى قتلت، وآية البقرة هذه لا تدل على ألا يقتل الحر بالعبد ولا الذكر بالأنثى، بل الأحاديث دلت على أن الحر لا يقتل بالعبد، بل عليه القيمة، وأن الذكر يقتل بالأنثى، قيل ولا تدل أيضا على أن العبد يقتل بالحر وأن الأنثى بالذكر، بل الأحاديث دلت عليه، قلت بل تدل الآية أيضا عليه فإنه إذا كان الحر يقتل بالحر فلأن يقتل به العبد أولى، فقيل ليس لأوليائه غير ذلك، وقيل لهم بقية الدية، وإن أمره سيده فلهم البقية، فإذا كان الذكر يقتل بالذكر فلأن يقتل به الأنثى أولى، ولعل القائل بعدم تلك الدلالة يقول إن المفهوم إنما يعتبر حيث لم يظهر للتخصيص غرض سوى اختصاص الحكم، وهنا ظهر الغرض وهو أن الآية نزلت بسبب القوم المتطاولين على الآخر، قلت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وثبتت الأخبار أنه لو اجتمع اثنان على قتل واحد أو ثلاثة فصاعدا على قتله قتلوا جميعا، سواء باشروا القتل كلهم أو بعضهم، وقيل يقتل من باشر فقط، وروى البخارى عن ابن عمر، أن غلاما قتل غيلة فقال عمر لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم، وقيل قال ذلك فى امرأة قتلت، قال البخارى قال مغيرة بن حكم إن أربعة قتلوا صبيا، فقال عمر ذلك.
وروى مالك فى الموطأ عن ابن المسيب أن عمر قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه غيلة، وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا، والغيلة أن يقتله من غير أن يعلم ما يريد به، ونمالأ اجتمع إن قتل عبدان أو أعبد عبدا فلمالكه القيمة، وله قيل قتلهم جميعا على أن يضمن على الرءوس ما زاد على قيمة عبده وقيل لا ضمان لهم. { فمن عفى له من أخيه شئ } من واقعة على القاتل وعفى ترك والأخ ولى المقتول، ويجوز أن يكون هو المقتول على حذف مضاف فى الوجهين، أى من دم أخيه، وسمى ولى المقتول أخا للقاتل، لأن فرض الكلام على أنه عفى والعفو يكون من أخ لأخيه للرقة عليه، ولكل من له حب فكأنه أخ القاتل، ولما بينهما من الجنسية الآدمية والحرية، أو الآدمية والعبودية ومن الإسلام ونكتة التعبير بالأخ أن يستعطف أحدهما على الآخر، ويشير إلى أن القتل لا يخرج القاتل من اسم الإسلام إلى الشرك، وأيضا سماه أخا لما بينهما من الملابسة، إذ الولى يطالب القاتل بالدية ويأخذ هامنه، فالقاتل يعطيه، وإذا الأخ هو المقتول ففى تسميته أخا، الأوجه المذكورة كلها غير الأخير، ويجرى الولى على مقتضى الأخوة بين القاتل والمقتول، وشئ واقع على بعض دم المقتول والدم يطلق بمعنى الدية وبمعنى القتل، وكما ينسب الدم للمقتول كذلك ينسب لوليه، أى القتل الذى يستحقه فى ذمة القاتل وكذا الدية تنسب إليهما، أى فمن ترك له شئ من دم أخيه، أى ترك بعض الورثة القتل أو ترك بعض سهمه من القتل أو كان الوارث واحدا، أو ترك بعض ماله من القتل لا القتل كله.
Halaman tidak diketahui