وهذا أصح كيف يدعو لهما وهما قد ماتا على شرك؟ على المشهور فى أمه، وقد نزل قبل ذلك آية المنع من الاستغفار للمشركين، قال المدابغى روى من حديث عائشة، رضى الله عنها، أحيا أبويه صلى الله عليه وسلم معا حتى آمنا به، ونفع الإيمان بعد الموت من خصائصه صلى الله عليه وسلم، والحديث بإحيائهما وإن كان ضعيفا فالقدرة صالحة لذلك، والحديث الضعيف يعمل به فى المناقب، كما يعمل به فى الفضائل، وفائدة إحيائهما، مع أنهما ناجيان لكونهما من أهل الفترة زيادة إظهار مسرته، وما أحسن قول الحافظ الشمس بن ناصر الدين الدمشقى فى ذلك
حبى الله النبى مزيد فضل على فضل وكان به رءوفا فأحيا أمه وكذا أباه لإيمان به فضلا منيفا فلم فالإله بذا قدير وإن كان الحديث به ضعيفا
انتهى كلام المدابغى، وهو شافعى، وما ذكره من نجاة أهل الفترة غير صحيح عندنا، فإن الفترى لا يعذر فى الشرك ويعذر فيما لم يصله من الشريعة، ويدل لذلك مامر من الحديث فى نزول الآية فى سؤاله عن حال أبويه، وقد صح
" أن رجلا قال يا رسول الله أين موضع أبويك فى النار؟ فقال " إنه قريب من موضعك فيها "
إلا أن يدعى أن هذا قبل إحيائهما وإيمانهما إن صح إحياؤهما. وقرأ غير نافع ويعقوب ولا تسأل بضم التاء واللام، وهو نفى معطوف على الحال قبله، أى إنا أرسلناك بشيرا ونذيرا وغير مسئول عن أصحاب الجحيم، فإنهم المسئولون عن أعمالهم لا أنت، وقرأ عبدالله بن مسعود ولن تسأل بالبناء للمفعول والنصب وقراءة أبى وما تسأل بالرفع والبناء للمفعول، وهما قراءتان متناسبتان لقراءة الجمهور، مقويتان لها، وقرئ ولا تسأل بالرفع والبناء للفاعل وهو نفى بمعنى النهى فتناسب قراءة نافع ويعقوب وتقويها، أو نفى لفظا ومعنى عطفا على الحال، وعلى قراءة الجزم ولن، وتأويل النفى بلا بالنهى تكون الجملة مستأنفة، وعلى باقى القراءات معطوفة، وكذا على غير تأويل النفى بالنهى، والجحيم النار مطلقا، وتطلق على إحدى طبقات النار، وتطلق على المتأجج من النار، وهو هنا أولى، وقيل سميت جحيما لشدة جحمها، والجحم شدة الحرة.
[2.120]
{ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } إقناط من الله لرسوله، صلى الله عليه وسلم، عن إسلامهم، إذ علق إسلامهم بما لا يكون منه، صلى الله عليه وسلم، وهو اتباع ملتهم، ولا يتصور أن يدعوهم للإسلام ويخرج منه، ولا أن يكون على دينهم وعلى دين الإسلام بمرة، وعبر برضاهم عنه، صلى الله عليه وسلم، عن إسلامهم، لأنه يلزم من اتباع دين أحد الرضا عنه من جهة دينه، ومن الرضا عنه من جهة دينه اتباع دينه فى الجملة، ويحتمل تقدير مضاف، أى لن ترضى عن دينك، وذلك أنهم قالوا ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم. وذكر بعض العلماء أنهم كانوا يطلبون الهدنة من النبى، صلى الله عليه وسلم، ويقولون إن هادنتنا وأمهلتنا اتبعناك، فطمع، صلى الله عليه وسلم، فى إسلامهم، فمال أن يهادنهم ويمهلهم، فأخبره الله جل وعلا بأنهم كاذبون لا يسلمون، ولو هادنتهم وأمهلتهم، ولا يرضون عنك إلا إن اتبعت ملتهم وهى دينهم الباطل. وعن ابن عباس رضى الله عنهما كان يهود المدينة ونصارى نجران يرجون منه، صلى الله عليه وسلم، حين كان يصلى إلى بيت المقدس أن يتبع ملتهم، فلما صرفه الله جل وعلا إلى الكعبة أيسوا أن يوافقهم على ملتهم العوجاء، منزل { ولن ترى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } أى انقطع طمعهم، واقتصروا على أن يتبع ملتهم صراحا، والضمير فى ملتهم عائد إلى اليهود والنصارى، وأفرد الملة لأنهم جميعا على ملة كفر، فملتهم واحدة فى الكفر، ولو اختلفت بعض اختلاف، أو لإرادة الجنس الصادق بملة اليهود وملة النصارى، أو يقدر لأحد الفريقين فى الملة المذكورة لأحدهما، ويقدر للآخر فهى للنصارى، فتقدر لليهود، أى ولن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم، ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، وهى لليهود فتقدر للنصارى، وعلى هذا فأصل الكلام ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم. فالملة الأولى لليهود، والثانية للنصارى، حذفت الثانية لئلا تتكرر. { قل } يا محمد. { إن هدى الله } وهو الإسلام. { هو الهدى } أى هو الذى صح له أن يسمى هدى، وأما غيره فلا يصح أن يسمى هدى كما يفيد الحصر بتعريف ركنى الإسناد، لأن هداه إلى الحق، ودعواكم إلى الباطل، وذلك تعليم من الله تعالى لنبيه الجواب عن قولهم لا نؤمن بك إلا إن اتبعت ديننا. { ولئن اتبعت } يا محمد. { أهواءهم } أى أهواء اليهود والنصارى فيما يرضيهم عنك، وهى اتباع أقوالهم وأفعالهم الباطلة التى يسمونها دينا. والملة ما شرع الله لعباده على لسان نبى. من أمللت الكتاب، أو من أمليته على، وهكذا قلبت الياء بعد اللام لاما أخرى، فكان المبطلون يسمون أهواءهم ملة كذبا على الله.
وأيضا الملة لغة ما اتخذ دينا صوابا أو خطأ، والهوى رأى يتبع الشهوة، والخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم. والمراد أمته لأن فيهم من يتبع أهواءهم تنزل الآية، ويعرض عنها ويتبع أهواء أهل الكتاب، وهو مشرك، ولا مانع من أن يقال المراد هو وأمته، ولو زعم بعض أنه لا إذن فيه، لأن المعنى على الشرط ومعلوم أنه، صلى الله عليه وسلم، لا يفعل. ويجوز أن يراد من يمكن منه ذلك، والوجه الثانى أولى، وهو أن المراد هو وأمته، ولست أريد أن ضمير المفرد لذلك بل الضمير له، صلى الله عليه وسلم، خاصة وأحكام أمته تابعة له مالم يقم دليل التخصيص، ولا يخفى أنه يجوز أن يقول الله تبارك وتعالى إن كذا وكذا جزاؤك إن فعلت كذا أو لو فعلته، لكنك لا تفعل. كما قال فى حقه تعالى
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا
وقال
Halaman tidak diketahui