قد جاءه الموسى الكلوم فزاد فى أقصى تفرعته وفرط غرامه
وقيل إن فرعون موسى هو فرعون يوسف، عاش أكثر من أربعمائة عام، والصحيح أنه غيره، ويأتى كلام فى غير هذا الموضع إن شاء الله سبحانه والمشهور أنه كان دخيلا فى مصر فاتفق له الملك لتنافس أهلها كما يأتى إن شاء الله تعالى قيل جاء من أهل اصطخر. { يسومونكم } يذيقونكم أو يكلفونكم أو يبغونكم أو يأخذونكم أو يلزمونكم أو يولونكم، يقال سامه خسفا إذ أولاه ظلما.
قال عمرو بن كلثوم
إذا ما الملك سام الناس خسفا أبينا أن نقيم الخسف فينا
وأصله من سام السلعة إذا طلبها، وأصل السوم الذهاب فى طلب الشىء، والجملة حال من واو أنجيناكم، والرابط كاف يسومونكم أو من آل فرعون والرابط واو يسومونكم أو حال من كاف أنجيناكم وآل فرعون. { سوء العذاب } أشنعه بالشدة، أو هو قبيح بالنسبة إلى سائر العذاب. وسوء، مصدر ساء وهو مفعول به ثان ليسوم، وسوء العذاب هو تفريق فرعون إياهم أصنافا صنفا يبنون ويزرعون، وصنفا يخدمونه، ومن لم يكن فى عمل وضع عليه الجزية، وقال وهب بن منبه الأقوياء ينحتون السوارى من الجبال حتى تقرحت أيديهم وأعناقهم ودبرت ظهورهم من قطعها ونقلها، وصنف ينقلون الحجارة والطين يبنون له القصور، وصنف يضربون اللبن ويطبخون الآجر، وصنف نجارون وحدادون، ومن ضعف وضع عليه الجزية يؤديها كل يوم مقدارا معلوما، فما غربت الشمس قبل أن يؤديها غلت يمينه إلى عنقه شهرا. والنساء يغزلن الكتان وينسجنه. { يذبحون } بالتشديد للمبالغة والتكثير، وقرأ الزهرى بفتح المثناة وإسكان الذال وفتح الموحدة وقرأ عبد الله بن مسعود يقتلون بالتشديد كذلك، والجملة حال ثانية أو حال من كاف يسومونكم أو من واوه أى يسومونكم حال كونهم { يذبحون أبناءكم } ويجوز أن يكون سوم العذاب هو الذبح للأبناء. واستحياء النساء المشار إليه بقوله تعالى { ويستحيون نساءكم } أي يبقونهن على قيد الحياة وهن صغيرات لا يقتلونهن أو الحبالى المخرق بطونهن يعالجونهن ليحيين، وعلى كون التذبيح والاستحياء هما سوء العذاب تكون جملة يذبحون عطف بيان لجملة يسومونكم عند من أجاز عطف البيان فى الجمل. والأولى أن يقال مستأنفة للبيان، فإن المشهور هو مذهب الجمهور أن عطف البيان لا يكون فى الجمل، وإذا أطلق فى الجملة أنها بيان جمل على معنى البيان اللغوى، لا على العطف، ويجوز أن يكون بدل الشىء من الشىء، وإن قلت قد عطفت فى سورة إبراهيم بالحرف، والعطف به يقتضى التغاير فكيف يصح أن يكون هنا عطف بيان، أو بدل الشئ من الشئ أو تفسيرا؟ قلت ما هنا من كلام الله تعالى فكانت الجملة نفس ما قبلها موضحة لها، وما هناك من كلام موسى عليه السلام وكان مأمورا بتعداد المجئ فى قوله
وذكرهم بأيام الله
فعدد المجئ عليهم فناسب العطف بالحرف، وبان ما هنا لصفات العذاب، وما هناك مبين أنه قد مسهم عذاب غير الذبح. وقرأ أبو عمرو بإسكان نون يستحيون وإدغامها فى نون نساءكم، ولو التقى ساكنان لأن الأول حرف مد، وإنما ذبح أبناءهم لأنه رأى فى منامه أن نارا أقبلت وأحاطت بمصر وأحرقت كل شئ ولم تتعرض لبنى إسرائيل، وخربت بيوت مصر. وهاله ذلك، فدعا السحرة والكهنة فسألهم عن رؤياه، فقالوا يخرج من هذا البلد الذى جاء بنو إسرائيل منه رجل يكون هلاك مصر على يديه، وفى رواية سأل الكهنة وقالوا يولد غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك، فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد فى بنى إسرائيل، ووكل بالقوابل من يراقبهم، حتى قتل فى طلب موسى اثنى عشر ألفا، وقيل سبعين ألفا، وأسرع الموت فى مشيخة بنى إسرائيل، فدخل رؤساء المصريين على فرعون وقالوا إن الموت قد وقع فى بنى إسرائيل، يذبح صغارهم ويموت كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا، فأمر أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة، فولد هارون فى السنة التى لا ذبح فيها وولد موسى فى سنة الذبح، فوضعته أمه فى تابوت وألقته فى البحر، فرباه فرعون بنفسه فلم يرد اجتهادهم من قدرة الله شيئا.
وذكر ابن عباس وابن اسحاق وغيرهما أن الكهنة والمنجمين قالوا لفرعون قد أظلك زمان مولود من بنى إسرائيل تخرب ملكك. { وفى ذلكم } الإشارة إلى المذكور من سوم العذاب وذبح الأبناء. { بلاء } محنة، والمحنة الاختيار، وقد علم الله سبحانه أيصبرون أم لا يصبرون، لكن لما كانت صورة تسليط فرعون عليهم كصورة من أوقع أحدا فى أمر موجع، ليعلم أيصبر أم لا، سماها باسم الاختبار وهو البلاء. ويجوز أن تكون الإشارة إلى الإنجاء من آل فرعون بواسطة موسى، فيكون البلاء بمعنى النعمة، لأن الاختبار يكون بالنعمة هل تشكر؟ كما يكون بالمكروه هل يصبر عليه؟ فجاز أن تسمى النعمة وهى الأنعام باسم الاختبار وهو البلاء. ويجوز أن تكون الإشارة إلى المذكور من سوم العذاب وذبح الأبناء والإنجاء. فيكون البلاء بمعنى الامتحان بالمكروه هل يصبرون عليه؟ وبالنعمة هل يشكرونها؟ فالآية مبهمة على وجوب شكر السار والصبر على الضار. { من ربكم } نعت أول لبلاء والثانى قوله { عظيم } فهو من تقديم الوصف الجار والمجرور على الوصف المفرد.
[2.50]
{ وإذ فرقنا } وقرئ بتشديد الراء للمبالغة والتكثير، فإنه كان التفريق تفريقا بينا مستقيما كان الماء به كالحيطان، وكان لكثير وهو اثنا عشر طريقا لكل سبط طريق. { بكم } هاربين من عدوكم، والباء هى باء الآلة بمعنى أنه فرق البحر بسلوكهم، ما زالوا يمشون وما زال ينفلق قدامهم حتى نفذوه كما يفرق الشىء بالموسى أو بالعصا، إلا أن الموسى يباشر ما يراد تفريقه، وكذا العصا، وقد لا تباشران مثل أن يقصد شجاع جماعة بموسى فيفترقون إلى الجانبين، فعصا موسى آلة معهم لا آلة مستقلة، وباء السببية أى بسبب إرادة إنجائكم أو للمعية متعلقة بفرقنا، أو بمحذوف حال من البحر كأنه قال وإذ فرقنا البحر حال كونه ملتبسا بكم ، كقول المتنبى
Halaman tidak diketahui