{ فأزلهما الشيطان } إبليس أى أزلقهما أو أصدرهما أو أذهبهما، وأصل الزلل فى زلق القدم، فاستعمال الإزلال هنا فى معنى الإخراج والإذهاب مجاز، مبنى على مجاز آخر، وهو أنه لم يأخذهما فيخرجهما من الجنة، بل تسبب فى خروجهما بالوسوسة بقوله
هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى
وقوله
ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين
ومقاسمته أنى لكما من الناصحين، وليس الزلل حقيقة فى الرأى كالقدم كما قيل. وقرأ حمزة { فأزالهما } من الإزالة، ومعنى الإزلال والإزالة متقارب، لأن فى كل منهما الإذهاب عن الموضع، لكنه الإزلال مع عثرة أو علة فى القدم أو فى الأرض. { عنها } عن الجنة وهو المتبادر. وتدل له قراءة حمزة، ويجوز عود الضمير إلى الشجرة فحينئذ تكون عن سببية. أى حملهما عن الزلة بسبب الشجرة، ويدل له قراءة ابن مسعود { فوسوس لهما الشطيان عنها }. فإن قلت كيف توصل إلى إزلالهما بعد ما قيل له
اخرج منها فإنك رجيم
قلت أجاز الزمخشرى أن يمنع دخولها على وجه التقريب والتكرمة، كدخول الملائكة، ولا يمنع أن يدخلها على جهة الوسوسة ابتلاء لآدم وحواء، يعنى فيكونان مكلفين متعبدين بمخالفته كما كلفنا وتعبدنا بمخالفته. وقيل كان يدنو إلى السماء فيكلمهما، ولعل قائل هذا أراد السماء السابعة، فإن الجنة فيها، وخلق الله فى صوته ما يسمع به آدم وحواء فقط، أو فى سمع آدم وحواء ما يسمعانه به. ولو كان بينهما غلظ السماء أو خلق فى غلظ صوته ما يسمعانه به هما وغيرهما، ولم يؤمر غيرهما بطرده عن ذلك. أو دخل غلظ السماء قرب منهما ولم ينفذها، أو دخل بابا ولم ينفذه، أو كان يرى أن الجنة فى السماء الدنيا وخلق فيهما أو فيه ما ذكر. وقيل قام عند الباب فناداهما، وروى أنه أراد الدخول فمنعته الخزنة، فدخل فى فم الحية فدخلت به وهم لا يشعرون. وقيل تمثل فى صورة دابة فدخل ولم يشعروا، وقيل كانت الجن تدخل الجنة وإنما منع منها إبليس وحده، فأرسل بعض أتباعه منهم، فأزلهما. فنسب الإزلال إليه لأنه آمر به ومحب له. وذكر بعضهم أن الحية كانت صديقة لإبليس. فلما منعته الخزنة من الدخول أتاها فسألها أن تدخله الجنة فى فيها فأدخلته وهم لا يعلمون به، مع أنها مرت عليهم. وكان لها أربع قوائم كقوائم البعير من أحسن الدواب. وكانت من خزان الجنة قيل وسم أنيابها من مكث إبليس فى فيها. ومسخها الله - عز وجل - لذلك ورد قوائمها فى بطنها. وقيل كانا على باب الجنة وكانا يخرجان منها، وكان إبليس عدو الله قريبا من الباب، فوسوس لهما، وقد دخل مع آدم الجنة لما دخل.
ورأى ما فيها من النعيم والكرامة. قال طيبا لو كان خلد فاغتنم ذلك منه الشيطان فأتاه من قبل الخلد. وقيل لا معرفة آدم بعدم الخلد، وإنما عرفه من كلام إبليس. وقيل إن إبليس - عدو الله - لما سمع بدخول آدم الجنة حسده، وقال يا ويلاه أأنا أعبد الله منذ كذا وكذا ألف سنة، ولم يدخلنى الله الجنة. وهذا خلق خلقه الله الآن فأدخله الله الجنة؟ فاحتال فى إخراج آدم عليه السلام، فوقف على باب الجنة ثلاثمائة سنة حتى اشتهر بالعبادة وعرفوه بها، وهو فى كل ذلك ينتظر خروج خارج من الجنة، فبينما هو كذلك إذ خرج الطاووس، وكان من سادات الطيور، فلما رآه إبليس قال أيها الخلق الكريم على الله، من أنت وما اسمك؟ فما رأيت من خلق الله تعالى أحسن منك؟ قال أنا طائر من طيور الجنة اسمى طاووس، فقال له إبليس إنا من الملائكة الكروبيين، وجعل يبكى، فقال له الطاووس ما يبكيك؟ قال إنما بكيت على ما يفوتك من حسنك وجمالك، قال له الطاووس أيفوتنى ما أنا فيه؟ قال نعم فإنك تفنى وتبيد، وكل الخلائق يبيدون إلا من تناول من شجرة الخلد، فهو من المخلد بين الخلائق، فقال الطاووس أين تلك الشجرة؟ قال إبليس إنا أدلك عليها إن أدخلتنى الجنة. قال الطاووس كيف لى بإدخالك الجنة؟ ولا سبيل إلى ذلك بمكان رضوان. فإنه لا يدخل الجنة أحد ولا يخرج منها إلا بإذنه. ولكن سأدلك على خلق من خلق الله تعالى، يدخلها إن قدر على ذلك، فهو دون غيره فإنه خادم خليفة الله آدم، قال من هو؟ قال الحية. قال إبليس فبادر إليها فإن لنا فيها سعادة الأبد، لعلها تقدر على ذلك، فجاء الطاووس إلى الحية فأخبرها بمكان إبليس وما سمع منه. قال. أنى رأيت بباب الجنة ملكا من الكروبيين من قصته كيت وكيت، فهل لك أن تدخليه الجنة ليدلنا على شجرة الخلد؟ فأسرعت نحوه الحية فلما جاءته قال لها إبليس نحو مقالته للطاووس، فقالت كيف لى بإدخالك ورضوان إذا رآك لا يمكنك من دخولها؟ فقال لها أتحول ريحا فتجعلينى بين أنيابك، قالت نعم. فتحول ريحا ودخل فم الحية فأدخلته الجنة، فلما دخل أراهما الشجرة التى نهى الله عنها آدم، وجاء حتى وقف بين آدم وحواء، وهما يعلمان أنه إبليس، فناح عليهما نياحة احزنتهما وبكى، وهو أول من ناح. فقالا له ما يبكيك؟ قال أبكى عليكما، تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعيم والكرامة، فوقع ذلك فى أنفسهما واغتما، فقال لهما فى تلك الساعة. وقيل بعد مضيه ثم رجع
هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى
قالا نعم، قال كلا من هذه الشجرة شجرة الخلد، فقالا نهانا ربنا عنها، قال
Halaman tidak diketahui